دستور الولائم التقليدية معطّل في مصر بين عزوف المكتئبين واكتئاب المتوترين
قلّة قليلة من المصريين لا تزال مصرّة على رفع راية عادات العزائم وتقاليد التجمعات الليلية.
فجنون الأسعار ضرب الجميع بدرجات متفاوتة، منهم من أصيب في مقتل، ومنهم من ضربه الغلاء ضربات متتالية لا تتحمل إقامة وليمة رمضانية ولو حتى كانت بغرض جمع الشمل وصلة الأرحام. وبات المصريون إما «موفّرين»، أو «عازفين»، أو «مكتئبين»!
ولأولئك الذين لم يصبهم الغلاء مباشرة، منهم «العازف» ومنهم «المكتئب». العازفون يشعرون بأن النكهة الرمضانية هذا العام لا تشجّع على التجمعات والولائم، والمكتئبون قلقون من الوضع العام، ومن هؤلاء وأولئك مجموعة أخرى صغيرة ثابتة على مبادئ رمضان الاجتماعية.
منى هي الأخت الكبرى في أسرة تتكون من ثمانية أشقاء وشقيقات. رمضان بالنسبة الى هذه العائلة يعني تجمعات شبه يومية لدى الإخوة الثمانية، بإضافة إلى الأبناء والبنات الذين تزوجوا وانتقلوا للعيش في بيوت مستقلة. وتقول منى: «لا يهمنا غلاء ولا توتر ولا ثورة! رمضان هو رمضان، وعدم لقائنا هو نذير شؤم. طالما لدينا من الصحة ما تمكننا من اللقاء حول مائدة طعام واحدة، فسنظل نلتف حولها. هذه عادتنا ولن نقطعها أو يقطعها أحفادنا».
ولكن يبدو أن لجيل الأحفاد رأياً مغايراً ساهم في إضفاء شكل جديد على رمضان. فمسألة التوجه إلى «عمو فلان» أو «طنط فلانة» مع الأسرة لتناول الإفطار في بيت مهما كان رحباً واسعاً يئن تحت وطأة أفراد العائلة الممتدة من عمات وخالات وأخوال وأصهار وأطفال، إضافة إلى أن جو الإفطار المنزلي يفتقد الكثير من الأجواء الرمضانية في القرن الحادي والعشرين.
يقول وليد (18 سنةً) إنه وأبناء عمومته خاضوا حرباً عائلية ضروساً طيلة الأشهر الماضية السابقة لرمضان، من أجل قلب نظام الإفطار العائلي المنزلي، وإحلاله بإفطار أنيق في أحد المطاعم، وبخاصة تلك الموجودة بكثرة على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي والمعروفة بأجوائها الشبابية الأنيقة: «ظل الكبار يقاومون الفكرة تارة بحجة أن رمضان شهر بيتي، وتارة أخرى بحجة التكلفة العالية، وتارة ثالثة بقولهم إنه المناسبة الوحيدة المتبقية لاستعراض العضلات المطبخية والفنون الغذائية بين نساء العائلة». ويستطرد ضاحكاً: «بفضل التوتر الذي يعتري الجميع حالياً بسبب الأوضاع غير المستقرة، أذعن أفراد الأسرة من دون استثناء لرغبة الشباب والصغار في أن يكون الإفطار خارج أسوار البيوت».
وعلى رغم بدء ذيوع هذا التقليد الحديث بين الكثير من الأسر في السنوات القليلة الماضية، لأسباب عملية تتعلق بانشغال النساء في أعمالهن، شهدت الظاهرة زيادة ملحوظة هذا العام بين أولئك الذين لا يمانعون في التجمعات العائلية.
وفريق آخر يمكن تصنيفه تحت بند «المكتئبين»، لا يشعر برغبة في مثل هذه التجمعات حتى إشعار آخر أو اتضاح الرؤية الثورية المتحكمة في الأوضاع في مصر. وتقول هند: «كيف أفكر في وليمة رمضانية وأنا أضع يدي على قلبي في كل مرة ينزل أحد ولدَي من البيت؟ فكلاهما من شباب الثورة المتحمس للتغيير، ولا يفوتان تظاهرة إلا ويشاركان فيها».
وإذا كانت الأم عطّلت العمل بدستور «العزائم الأسرية الرمضانية» هذا العام، تماشياً مع الثورة التي تصيبها بالهلع خوفاً على ولديها، فإن هذه الإرهاصات انعكست بطريقة مختلفة تماماً على الولدين نفسيهما. ويقول أشرف (22 سنة): «نجهّز حالياً من أجل مليونية الإفطار في ميدان التحرير غداً الجمعة في 12 آب (أغسطس). والمصلحة العامة لمصر والإصرار على تحقيق مطالب الثورة، من أولوياتنا». وعلى رغم أن شقيقه وليد (20 سنةً) ضالع معه في عملية التجهيزات تلك، فإنه لا يتحدث عن مليونية الإفطار بالحماسة نفسها. ويقول: «تمّ فضّ محاولة الإفطار الجماعي يوم الجمعة الماضي، من دون أن يخلو الأمر من العنف، ولم أعد أرى جدوى من التجمهر مجدداً في ميدان التحرير، وخصوصاً أن هدف الثورة الأكبر في محاكمة رموز النظام السابق بدأ».
وتباين المواقف بين ا
لمصريين حتى داخل الأسرة الواحدة ألقى بظلاله على الأجواء الرمضانية في شكل عام. ومن المؤكد أن الجدل حول حلّ الفزورة، أو التكهن بمصير الزيجة الفاشلة لبطلة المسلسل الرمضاني، ومتابعة فضائح الفنانات وزيجات الفنانين، لم تعد السمة الرمضانية الرئيسة، بل بات حديث رمضان الأوحد هو الانتخابات والدستور والمحاكمات والاتهامات، ومستقبل مصر في رمضان 2012 وما يليه هو العامل الموحد لصائمي المحروسة.
[/size]
[/size][/b][/center]