[size=16]عامله بلطف، استمع اليه، افمهه من ايماءات وجهه فهو لا يعرف ان يعبر عما يريد لانه لم يتعلم اللغة بطلاقة او اللف والدوان بعد في طلباته، لا تلغي تلقائيته التي حباها الله له لانك تريد منه ان يكون قويا يستطيع مواجهة ضغوط الحياة كما تبتغي انت !!انه ليس كذلك، انه اضعف مخلوق بين الكائنات الحية يحتاج الى الاعتماد العضوي والتكويني على ابويه لكي يعيش فهو لا يستطيع ان يطعم نفسه او يحمي نفسه إلا بوساطة الكبار وهو لهذا تحت رحمتنا، نحن نلغي اختياره وما يريد ونحمله كل اخطاءنا فكيف اذن يتحمل نتائج اخطاء ابويه ؟
ليعلم الجميع ان الطفل يتمتع بقدر كبير من التلقائية ويعبر ايضا عن مشاعره بتلقائية تجعل من مشاعره وسلوكه اصدق من مشاعر أبويه الا انه بصفته الطرف الاضعف في العلاقة فإننا نقتل هذه البراءة والتلقائية ويضطر ان يبيع نفسه لنا نحن الابوين لكي يتجنب منا نحن الكبار كل شر ويسعى لارضاءنا بكل الطرق والوسائل خوفاً منا وتجنباً للاذى الذي سوف نوجهه له ونعد كل سلوك لا نريده او نرضاه مخالفة وربما نفسره بعصيان منه او قلة ادب وتربية والتزام..
اذن نحن نريده مثلما نحن عليه من سلوك حتى وان كانت كلها اخطاء وعليه ان يدفع الثمن في الطفولة وفي البلوغ.
الطفل هو المؤشر الذي يعبر عن حالة الاسرة في سوائها ومرضها لانه نتاج تربيتها ويقول (د. محمد شعلان) الطفل المضطرب ليس بالضرورة مجرد طفل شاذ او مريض ولكنه غالباً ما يكون المرض الذي يشير الى وجود اصل الداء في دائرة الاسرة ومقابل ذلك فإن علاج الطفل لاجدوى منه اذا ما اهملنا تأثير الاسرة عليه بل ربما نكتفي في بعض الحالات بعلاج الاسرة لكي تتحسن حالة الطفل الا ان الاغلب أن العلاج يتناول الجانبين – الاسرة والطفل.
اذا الاسرة هي الاطار الذي يحدد سلوك اي فرد مستقبلا في المجتمع باشباعه النفسي – الذاتي ام بشعوره بمجموعة من العقد النفسية. هذا الاشباع يأتي من خلال مجموعة غير محددة من التعاملات مع الطفل منذ اليوم الاول لميلاده والشهور الاولى التي تليها حيث تتشكل الشخصية السوية او اللاسوية (ذهانية او عصابية او انحرافات).
ان الاسئلة المحيرة للطفل والتي لا يجد اجابات واضحة ومقنعه عنها تترك في نفسه تساؤلات تؤدي به الى التشتت ولا نغالي اذا قلنا ان هذه التساؤلات المحيرة سبقتها انماط من السلوك بدرت منه دون ان تعيها الام، ومنها ان الام تفضل الطفل ان يبكي ويسكت دون ان تعيره اي اهتمام حتى ينام.. او.. ما ان يصرخ ويبكي حتى تضع مالذ وطاب في فمه..
تعالوا نرى ماذا ستكون شخصية هذا الطفل في المستقبل:
في الحالة الاولى قد يصبح عنيداً او يتعلم ان الاستسلام لابد منه ولن ينال اي شيء من مطالبه او ربما يكون مستسلما فيتعلم ان لا جدوى من مقاومة النظام فيرضخ !!!
وفي الحالة الثانية يتعلم ان مطالبه لابد ان تجاب فوراً وبدون ان يطلب أصلا فإذا كان عنيداً أصر على تحقيق هذا الوضع باستمرار ولن يستسلم او ينسحب كما في الحالة الاولى، فالاول ستواجهه الاحباطات كثيرا في مسيرة الحياة والثاني سيواجه هذه الاحباطات بالمقاومة والتصدي وتلك هي بعض من اساليب التعامل مع ضغوط الحياة في البلوغ.. اذا تشكلت شخصية الطفل منذ السنوات الاولى من حياته.
ان التساؤلات التي لم يجد الطفل لها اجابات مقنعه بسبب قلة ثقافة الاب او الام او ضعف تعليمهم الدراسي فيردع او يعاقب على مثل تلك الاسئلة المحيرة ومنها (من اين اتيت ؟ من هو الله ؟ من خلق الكون ؟ كيف يسير الكون.. الخ) هذه الاسئلة الاستطلاعية التي تنم عن وعي الطفل بما يحيط به يجب ان يجد الاجابات الواضحة والمقنعه لديه لانها سوف تتسامى وتتحول الى طاقة مبدعة في المراهقة والبلوغ..
اما اذا لم يجاب عليها فسوف نجد انفجارات الغضب تتراكم لديه وتتلوها فترات من الهدوء النسبي ثم تتلوها فترة وجيزة من العودة للتساؤلات مرة اخرى ولكن هذه المرة يعلن عن حقيقته فيظهر الوجه الآخر بصورة الطفل الغاضب الثائر فيتركه الاب والام فيتعود الاحباط منذ الطفولة والذي يترك الاثار السلبية في شخصيته ليعبر بعد ذلك عن غضبه وثورته وقتما شاء في المراهقة او البلوغ بطريقة عشوائية غير منظمة، كاللجوء والبحث الدائم عن الاشباع الجنسي ولم يشبع او البحث عن الجماعات المتطرفة والانتماء اليها او العناد غير المبرر في ابسط المواقف، فالطفل الذي سأل ولم تشبع تساؤلاته وهو الطفل العنيد سيكبر ونجد العدوان يشكل سلوكه السلبي، ويقول "د. محمد شعلان" تظهر لديه اضطرابات الشخصية وهي أميل الى تغلب الدوافع الجنسية التي تأخذ هنا صورة سمات المباهاة وجذب الاهتمام والاغراء الذي يقابله الشعور بالنقص والدونية.
اما الطفل الذي يجد اجابات مقنعه (الى حد ما) عن تساؤلاته فإنه ولو موقتا سيجد نفسه في شخصية مثالية الى حد ما تتمتع بقدرة كبيرة في تحويل هذه الطاقة وهذه التساؤلات في الكبر الى طاقة مبدعة في المجال الذي يختاره شخصيا مثل المهن والحرف اليدوية او الفن او التعليم العالي، فلم تأخذ لديه صورة العدوان تعبيرها المباشر وانما لعب التسامي "حيلة دفاعية" دوره في التعبير المقبول اجتماعيا ويبقى يبحث عن الابداع والجديد ويبدو متعاون، مطيع، منظم، نظيف وغير ذلك من صفات حميدة اخرى.
ان الحيرة تخلق التشتت والتشتت والحيرة يؤديان الى الكبت، والكبت يعوق كل تفريغ مقبول كما هو حال التساؤلات المحيرة في ذات الطفل البريئة ومع مرور الزمن تتحول الى اضطرابات في السلوك والتعامل.. اما في تلك المرحلة العمرية من الطفولة فتكون استجابة بالاعراض، وان كانت هذه الاستجابة طبيعية ولا تمثل حالة مرضية إلا ان نتائجها المستقبلية ستكون غير سوية.
الحيرة عند الطفل من عدم ايجاد الاجابات المقنعة لتساؤلاته تجعل منه يهرب الى تصورات خيالية تقوم مقام التعويض بالنسبة إليه إذا كانت الاسرة تمثل واقعاً صعب الاحتمال، يلجأ الى الهروب المؤقت بفكره وخياله ثم يلجأ الى الكره المكتوم والمعلن معاً، انه يكتسب من خلال ذلك الشيء وضده معاً، انه يدفع ثمن فقدانه لتلقائيته وصده في الطفولة بسلوك صوت الطفل الذي لا يموت بداخله ويظل يلازمه وهو كبير خافت مرة و صارخ مرة أخرى.
بقلم:
[size=16]د. أسعد الامارة
[/size][/size] متخصص في علم النفس