أم عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة
ذات عقل وافر ، ورأي صائب
ذات غيرة شديدة على أعراض المسلمين وأملاكهم
من سمع بهذه المرأة قبل الآن ؟!ومن يعرف شيئا عنها ؟! أو من سمع بامرأة أندلسية لها كلمة سائرة ؟!
اعتقد أن كثيرا من الناس لم يسمعو بها من قبل الآن ، لكنهم سمعوا كلمتها الشهيرة تخاطب ابنها بها :
اِبكِ مِثـــلَ النِسَــاءِ مُلكـــاً مُضَاعـــاً
لَم تُحَـــــافِظ عَلَيــــهِ مِثـــلَ الرجَالِ
هذه المرأة هي عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر الأميرة الأندلسية أم أبي عبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة ، في الفردوس المفقود ، وعلى يد هذا الصغير قُدمت الأندلس الى النصارى دون عناء أو جهد .
كانت الأميرة عائشة واحدة من النساء الخالدات اللواتي آتاهن الله - عزوجل - عقلا وافيا ، فكانت من ربات الرأي الصائب والعقل النير ، ورباطة الجأش ، ناهيك بالغيرة الشديدة والحمية على أعراض المسلمين وأملاكهم ، وكانت شجاعة ، سديدة الرأي ، صالحة ، عالمية بالتربية .
ويحدثنا التاريخ النسوي الأندلسي عن عدد من النساء العالمات ، واللواتي حققن كثيرا من الأمور الشرعية ، وعرفن بسع المعرفة وحسن القضاء ومنهن زوجة قاضي مدينة لوشة ، وغيرها كثيرات ، من مثل :-
خديجة بنت جعفر بن نصير بن التمار التميمي
أَمة الرحمن بنت أحمد بن عبدالرحمن العبسي
خديجة بنت أبي محمد سعيد الشنتجيالي
خديجة بنت أبي علي الصدفي
فاطمة بنتأبي القاسم القرطبي
أم العز بنت محمد العبدري
زينب بنت محمد الزهري
أم العز بنت أحمد بن علي بن هذيل
سيدة بنت عبدالغني العبدرية
أم الحسن بنت أبي جعفر الطنجالي
وغيرهن ممن لا يحصين
كانت الأميرة عائشة ابنة السلطان أبي عبدالله الأيسر واحدة من سروات نساء ، وكانت متزوجة من ابن عنها السلطان أبي الحسن النصري ، وتعرف باسم ( عائشة الحرة ) وأكرم به من اسم !! وأعظم به من صفة حقيقية لامرأة حرة حسيبة نبيلة !! .
واسم عائسة علم ينضج بالبطولة والرفعة والعزة والسناء ، مع الأسى والشجن في تلكم المأساة الأندلسية التي تفتت الأكباد .
فقد كانت هذه المرأة النادرة ذات شخصية متفردة في عالم نساء غرناطة ، فقد تحملت برفيع المُثُل والقيم مع سمو في الروح وقلب قوي يجابهالمحن المتنوعة ، وجد يشع حينا ويخبو أحيانا فهي ملكة غرناطة الحازمة , لكنها كانت في ظل مَلِكٍ وهن العظم منه ، والقلب والنفس ، وكانت قد ولدت لأبي الحسن ولدين هما : أبو عبدالله محمد الصغير المشهور ، وأبو الحجاج يوسف .
وكانت عائشة _ رحمها الله _ واسعة الأفق ، عاقلة ، سديدة الرأي ، ترى أنه من الطبيعي أن تصير مملكة غرناطة وحكمها الى ابنها محمد بن أبي هبدالله ، بيد أن زوجها قد ترك الجهاد ، وتقاعس عن الغزو ، وركن الى حياة الخفض والدعة والرقة وغزت قلبة جارية من بنات الروم النصارى تُدعى ( ثريا ) أو ( كوكب الصبح ) وكانت هذه ابنه لأحد القادة الأسبان وهو ( سانشو كمنيس سُوليس ) وتعرف ثريا في الروايات الإسبانية باسم (( ازابيلا )) أو (( ثريدة )) .
ولما تزوج أبو الحسن النصري ثريا هذه ، عرفت عائشة حينئذ باسم ( عائشة الحرة ) تمييزا لها عن هذه الجارية الرومية ثريا ، ولعلها سميت عائشة بالحرة لطهرها وعفافها وصيانتها .
وراحت ثريا الرومية تلعب بأبي الحسن ذات اليمين وذات الشمال ، فقد كان أب الحسن قد بلغ سنا مرتفعة ، وغدا العوبة في يد زوجته الحسناء الرومية ثريا ، وكانت ثريا تجمع الى جمالها وملاحتها دهاءً ومكراً، وكانت تتطلع الى معالي الأمور وخصوصا بعا أن ولدت لأبي الحسن ولدا ، وعندها صارت تتطلع لأن يكون وليا للعهد ، ومن الطبيع أن يكون أبي عبدالله الصغير ابن عائشة هو ولي العهد وهو المؤهل لهذا المنصب . ولكن ثريا هذه قد تمكنت من التلاعب بعقل زوجها أبي الحسن وإقناعه بإبعاد عائشة الحره وولديها , ومنا زالت وراءه تفتل له الحبل والغارب حتى اقنعته بحبسهم واعتقاله جميعا ، واستجاب أبو الحسن لرغبة غادتة اللعوب ، فزج عائشة الحرة مع ولديها في برج ( قمارش ) وشدد الحجر عليهم ، وضاعف الحراسة ، وعومل هؤلاء الثلاثة بشدة وقسوة وعنف .
بيد أن شطرا من أهل غرناطة كان يؤيد الأميرة الشرعية عائشة الحرة بنت أبي عبدالله الأيسر ، ويؤيد معها ولديها ، ولذا فإن عائشة استطاعت بحزمها وعقلها أن تتصل سرا بأنصارها ومؤيديها ، وفي مقدمتهم بنو سراج ، ثم إنها تمكنت من الإفلات والهرب من السجن في جمادى الثانية سنة 887 هـ ، وذلك بمساعدة بعض أنصارها المخلصين ، وقد استطاعت عائشة أن تفر من البرج الذي سجنت فيه بطريقة تدل على جرأتها وعلى شجاعتها وإقدامها ، حيث استعانت بأغطية الفرش والسرر وربطتها مع بعضها ، ومن ثم تدلت من نوافذ البرج العالي ، وكانت قد أدلت ولديها قبلها ، وقد أثارت قصة فرارها هذه العطف والإعجاب لدى أنصارها وانصار ولدها ، وقد ظهرت عائشة بعد فرارها في وادي آش حيث هنالك أنصار ابنها ومؤيدوه .
وتمضي الأيام فإذا بالحرب الأهلية تضطرم في غرناطة ، ونشبت ثورة في داخل غرناطة تعاطفا مع الملكة الشرعية عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر ، ومع ولديها ، وعند ذلك اضطر ملك غرناطة أبو الحسن أن يفر الى مدينة مالقة ، حيث كان فيها أخوه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف ( بالزغل )) ، وكان يدفع عن مالقة جيشا جرارا بعثه ملك قشتالة لافتتاحها ، فهزمهم الزغل بموقعة تعرف باسم ( الشرقية ) .
وبعد خلو عرش غرناطة من أبي الحسن جلس أبو عبدالله الصغير ابن عائشة الحرة مكان أبية ، وكان ذلك في أواخر سنة 887 هـ ، وعمره حوالي ( 25 عاما ) .
وتذكر المصادر أن أبا عبدالله الصغير أراد أن يحذو حذو عمه الزغل في الغزو وجهادى النصارى والروم ، فخرج في جيشة ، فاجتاح عدة حصون وقلاع في شهر ربيع الأول سنة 888 هـ واستطاع أن يهزم النصارى في عدة معارك .
ولما عاد أبو عبدالله الصغير محملا بالغنائم ، علم النصارى الإسبان من خلال جواسيسهم بذلك ، فداهموه في ظاهر قلعة ( اللسانة ) وكان يزمع حصارها ، وخسر المعركة ، ومن ثم أسر على أثرها .
وعاد الجيش المسلم الى غرناطة دون قائد وملكة فارتاعت العاصمة لذلك ، واضطربت ، بيد أن عائشة الحرة ابنة أبي عبدالله الأيسر ظلت تحتفظ بهدوئها وسكينتها وعقلها ، وقالت لامرأة ابنها لما راتها تذرف الدموع علية .
وكانت امرأة ابنها الصغير ابنة الأمير علي العطار المجاهد :- إن الدموع لا تليق بابنة مجاهد ، ولا بزوج ملك ، وإن الخطر لأشد على ملك يمتنع بقصره منه حين يأوي الى خيمتة ، وإنه لواجب على زوجك أن يشتري سلامة عرشة بمخاطر الميدان .
والحقيقة فهذه كلمة تدل على قلب عظيم ، وفؤاد جرئ وعقل واسع يدرك معالي الأمور ، ولا يرضى الدنايا ، وهكذا كانت عائشة الحرة _ رحمها الله _ التي تشبة في كلمتها هذه هذه كلمات نساء صدر الإسلام ، كأسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - وغيرها من بنات الصحابة والصحابيات .
12-21-2008, 11:45 pm
وعند غياب أبي عبدالله الصغير في أسر الأسبان ، حاولت غرناطة أن تعيد أباه أبا الحسن إلى العرش مكان ابنه الأسير ، لكن المرض لم يسمح له بذلك ، وفتك بجسمه الهرم ، فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبدالله الزغل حاكم مالقة
وكان ( فرناندو ) ملك قشتالة قد استغل خبرة أبي عبدالله الصغير ، وعدم تجربته ، وضعف ارادته ، فأقنعه أن الصلح مع قشتالة هو الصواب ، وفي ظروف حرجة أطلق فرناند سراح أبي عبدالله الصغير ، بعد أن وقعه على معاهده أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة ومدتها عامان . وتحقق للخبيث فرناندو ما أراده ، وتمزقت دولة الإسلام بالأندلس وقضي على المجد السني هناك .
وكانت الأميرة عائشة من فواضل النساء الأندلسيات اللواتي ساهمن في المواقف المشرفة بتاريخ الأندلس ، واثراء التاريخ النسوي بجلائل الأعمال .
وللأميرة عائشة دور مشرق ونضالي في تربية ابنها أبي عبدالله الصغير ، حيث أن كثيرا من النساء كن محاضن عظيمة خالدة وصالحة لتربية أجيال الأمة ، ونستطيع أن نقول : إن في مقدمة هؤلاء الأندلسيات السيدة الأميرة عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر ، التي أحسنت تربية ابنها أبي عبدالله الصغير ، ولكنها ابتليت بأن ابنها قد ذهب الى رحلة ابتعاث قسري في سن لم تكن فية شخصيته قد اكتملت ونضجت ، إذ وقع في الأسر عند النصارى ، وقد استطاع النصارى تلويث تصور هذا الفتى ، فعاد من أسره والصورة صورته ، ولكن قلبة ليس ذلك القلب الذي نشأ على يد أمه عائشة ، وغدا كله دميه في يدي النصارى .
ويعتبر أبي عبدالله الصغير محمد سلطان غرناطة آخر ملوك غرناطة ، حيث جلس على العرش مكان أبية في أواخر سنه 887 هـ ، وأطاعته غرناطة بعد فرار أبية الى مالقة ، وكان للأميره عائشة والدته دور رائع في تثبيت ابنها على العرش بعد سلسه من الخلافات المثيره على عرش غرناطه ، أدى الى فرار زوجها السلطان أبو الحسن والد ابنها أبي عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس – كما مر معنا أنفا .
وقد حدثت في عهده سلسله من الفتن والمعارك والحروب ،انتهت بسقوط غرناطة آخر معقل للعرب في الفردوس المفقود .
فقد أخذت الممالك الأندلسية تنهار وتتساقط الواحدة تلو الأخرى ، وأخذ الزحف يقترب من غرناطة ، التي كانت تموج يومئذ بالوافدين إليها من مختلف القواعد الإسلامية ، وتضم بين أسوارها قرابة نصف مليون نسمه .
وبدأ حصار غرناطة ، وثبتت وقتا طويلا ، حتى تلقت الأمر من يد حاكمها ، وحار الناس ، و.....
ياصَاحِ أن مُلُوكَها قَد أَصبَحُوا لاَ حُكمَ في يَدِهم وَ لاَ سُلطَانَا
غَلَبَت عَلَيـــــهِم عُصبَةٌ تَتَرِيهٌ لَم تُبقِ للصيدِ المُلُـــوكِ كيَانَا
وأعيا الناس الحصار ، وعظم النكير ، وسكنت كثير من الأنفاس ، وعلا من سفل ، وسفل من علا ، واضطربت الأمور ، وصار العز الى المهانه ، وكان الناس عظاما أجلةً بررة ، فصاروا عظاما هشة نخرة ، و ...
وَكُنا عِظَاماً فَصِرنَا عِظَاماً وَكُنـا نَقُوتُ فَها نَحنُ قُوت
وَكُنا شُموسَ سَماءِ العُـــــلا غَرَبـنَ فَنَاحَت عَلينا البُيُوت
وأَنفَاسُنَـــــــا سَكَنت دَفعَـةً كَجهرِ الصلاةِ تلاهُ القُنُوت
وبعد رحلة تسليم غرناطة ، فالسواد الأعظم من الشعب لم يعد قادرا على هذا الأمر الفادح ، والخطب الجلل الذي تطيش عنده أحلام ذوي الحلم ، واستسلمت غرناطة بعد هدنه ، وبعد اتفاقية ومعاهدة للتسليم ، وظلت هناك نفوس أبية لا ترضى الذل للنصارى ، ولا للملك ( فرناندو ) الذي حارب الأندلسيين .
ذات عقل وافر ، ورأي صائب
ذات غيرة شديدة على أعراض المسلمين وأملاكهم
من سمع بهذه المرأة قبل الآن ؟!ومن يعرف شيئا عنها ؟! أو من سمع بامرأة أندلسية لها كلمة سائرة ؟!
اعتقد أن كثيرا من الناس لم يسمعو بها من قبل الآن ، لكنهم سمعوا كلمتها الشهيرة تخاطب ابنها بها :
اِبكِ مِثـــلَ النِسَــاءِ مُلكـــاً مُضَاعـــاً
لَم تُحَـــــافِظ عَلَيــــهِ مِثـــلَ الرجَالِ
هذه المرأة هي عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر الأميرة الأندلسية أم أبي عبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة ، في الفردوس المفقود ، وعلى يد هذا الصغير قُدمت الأندلس الى النصارى دون عناء أو جهد .
كانت الأميرة عائشة واحدة من النساء الخالدات اللواتي آتاهن الله - عزوجل - عقلا وافيا ، فكانت من ربات الرأي الصائب والعقل النير ، ورباطة الجأش ، ناهيك بالغيرة الشديدة والحمية على أعراض المسلمين وأملاكهم ، وكانت شجاعة ، سديدة الرأي ، صالحة ، عالمية بالتربية .
ويحدثنا التاريخ النسوي الأندلسي عن عدد من النساء العالمات ، واللواتي حققن كثيرا من الأمور الشرعية ، وعرفن بسع المعرفة وحسن القضاء ومنهن زوجة قاضي مدينة لوشة ، وغيرها كثيرات ، من مثل :-
خديجة بنت جعفر بن نصير بن التمار التميمي
أَمة الرحمن بنت أحمد بن عبدالرحمن العبسي
خديجة بنت أبي محمد سعيد الشنتجيالي
خديجة بنت أبي علي الصدفي
فاطمة بنتأبي القاسم القرطبي
أم العز بنت محمد العبدري
زينب بنت محمد الزهري
أم العز بنت أحمد بن علي بن هذيل
سيدة بنت عبدالغني العبدرية
أم الحسن بنت أبي جعفر الطنجالي
وغيرهن ممن لا يحصين
كانت الأميرة عائشة ابنة السلطان أبي عبدالله الأيسر واحدة من سروات نساء ، وكانت متزوجة من ابن عنها السلطان أبي الحسن النصري ، وتعرف باسم ( عائشة الحرة ) وأكرم به من اسم !! وأعظم به من صفة حقيقية لامرأة حرة حسيبة نبيلة !! .
واسم عائسة علم ينضج بالبطولة والرفعة والعزة والسناء ، مع الأسى والشجن في تلكم المأساة الأندلسية التي تفتت الأكباد .
فقد كانت هذه المرأة النادرة ذات شخصية متفردة في عالم نساء غرناطة ، فقد تحملت برفيع المُثُل والقيم مع سمو في الروح وقلب قوي يجابهالمحن المتنوعة ، وجد يشع حينا ويخبو أحيانا فهي ملكة غرناطة الحازمة , لكنها كانت في ظل مَلِكٍ وهن العظم منه ، والقلب والنفس ، وكانت قد ولدت لأبي الحسن ولدين هما : أبو عبدالله محمد الصغير المشهور ، وأبو الحجاج يوسف .
وكانت عائشة _ رحمها الله _ واسعة الأفق ، عاقلة ، سديدة الرأي ، ترى أنه من الطبيعي أن تصير مملكة غرناطة وحكمها الى ابنها محمد بن أبي هبدالله ، بيد أن زوجها قد ترك الجهاد ، وتقاعس عن الغزو ، وركن الى حياة الخفض والدعة والرقة وغزت قلبة جارية من بنات الروم النصارى تُدعى ( ثريا ) أو ( كوكب الصبح ) وكانت هذه ابنه لأحد القادة الأسبان وهو ( سانشو كمنيس سُوليس ) وتعرف ثريا في الروايات الإسبانية باسم (( ازابيلا )) أو (( ثريدة )) .
ولما تزوج أبو الحسن النصري ثريا هذه ، عرفت عائشة حينئذ باسم ( عائشة الحرة ) تمييزا لها عن هذه الجارية الرومية ثريا ، ولعلها سميت عائشة بالحرة لطهرها وعفافها وصيانتها .
وراحت ثريا الرومية تلعب بأبي الحسن ذات اليمين وذات الشمال ، فقد كان أب الحسن قد بلغ سنا مرتفعة ، وغدا العوبة في يد زوجته الحسناء الرومية ثريا ، وكانت ثريا تجمع الى جمالها وملاحتها دهاءً ومكراً، وكانت تتطلع الى معالي الأمور وخصوصا بعا أن ولدت لأبي الحسن ولدا ، وعندها صارت تتطلع لأن يكون وليا للعهد ، ومن الطبيع أن يكون أبي عبدالله الصغير ابن عائشة هو ولي العهد وهو المؤهل لهذا المنصب . ولكن ثريا هذه قد تمكنت من التلاعب بعقل زوجها أبي الحسن وإقناعه بإبعاد عائشة الحره وولديها , ومنا زالت وراءه تفتل له الحبل والغارب حتى اقنعته بحبسهم واعتقاله جميعا ، واستجاب أبو الحسن لرغبة غادتة اللعوب ، فزج عائشة الحرة مع ولديها في برج ( قمارش ) وشدد الحجر عليهم ، وضاعف الحراسة ، وعومل هؤلاء الثلاثة بشدة وقسوة وعنف .
بيد أن شطرا من أهل غرناطة كان يؤيد الأميرة الشرعية عائشة الحرة بنت أبي عبدالله الأيسر ، ويؤيد معها ولديها ، ولذا فإن عائشة استطاعت بحزمها وعقلها أن تتصل سرا بأنصارها ومؤيديها ، وفي مقدمتهم بنو سراج ، ثم إنها تمكنت من الإفلات والهرب من السجن في جمادى الثانية سنة 887 هـ ، وذلك بمساعدة بعض أنصارها المخلصين ، وقد استطاعت عائشة أن تفر من البرج الذي سجنت فيه بطريقة تدل على جرأتها وعلى شجاعتها وإقدامها ، حيث استعانت بأغطية الفرش والسرر وربطتها مع بعضها ، ومن ثم تدلت من نوافذ البرج العالي ، وكانت قد أدلت ولديها قبلها ، وقد أثارت قصة فرارها هذه العطف والإعجاب لدى أنصارها وانصار ولدها ، وقد ظهرت عائشة بعد فرارها في وادي آش حيث هنالك أنصار ابنها ومؤيدوه .
وتمضي الأيام فإذا بالحرب الأهلية تضطرم في غرناطة ، ونشبت ثورة في داخل غرناطة تعاطفا مع الملكة الشرعية عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر ، ومع ولديها ، وعند ذلك اضطر ملك غرناطة أبو الحسن أن يفر الى مدينة مالقة ، حيث كان فيها أخوه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف ( بالزغل )) ، وكان يدفع عن مالقة جيشا جرارا بعثه ملك قشتالة لافتتاحها ، فهزمهم الزغل بموقعة تعرف باسم ( الشرقية ) .
وبعد خلو عرش غرناطة من أبي الحسن جلس أبو عبدالله الصغير ابن عائشة الحرة مكان أبية ، وكان ذلك في أواخر سنة 887 هـ ، وعمره حوالي ( 25 عاما ) .
وتذكر المصادر أن أبا عبدالله الصغير أراد أن يحذو حذو عمه الزغل في الغزو وجهادى النصارى والروم ، فخرج في جيشة ، فاجتاح عدة حصون وقلاع في شهر ربيع الأول سنة 888 هـ واستطاع أن يهزم النصارى في عدة معارك .
ولما عاد أبو عبدالله الصغير محملا بالغنائم ، علم النصارى الإسبان من خلال جواسيسهم بذلك ، فداهموه في ظاهر قلعة ( اللسانة ) وكان يزمع حصارها ، وخسر المعركة ، ومن ثم أسر على أثرها .
وعاد الجيش المسلم الى غرناطة دون قائد وملكة فارتاعت العاصمة لذلك ، واضطربت ، بيد أن عائشة الحرة ابنة أبي عبدالله الأيسر ظلت تحتفظ بهدوئها وسكينتها وعقلها ، وقالت لامرأة ابنها لما راتها تذرف الدموع علية .
وكانت امرأة ابنها الصغير ابنة الأمير علي العطار المجاهد :- إن الدموع لا تليق بابنة مجاهد ، ولا بزوج ملك ، وإن الخطر لأشد على ملك يمتنع بقصره منه حين يأوي الى خيمتة ، وإنه لواجب على زوجك أن يشتري سلامة عرشة بمخاطر الميدان .
والحقيقة فهذه كلمة تدل على قلب عظيم ، وفؤاد جرئ وعقل واسع يدرك معالي الأمور ، ولا يرضى الدنايا ، وهكذا كانت عائشة الحرة _ رحمها الله _ التي تشبة في كلمتها هذه هذه كلمات نساء صدر الإسلام ، كأسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - وغيرها من بنات الصحابة والصحابيات .
12-21-2008, 11:45 pm
وعند غياب أبي عبدالله الصغير في أسر الأسبان ، حاولت غرناطة أن تعيد أباه أبا الحسن إلى العرش مكان ابنه الأسير ، لكن المرض لم يسمح له بذلك ، وفتك بجسمه الهرم ، فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبدالله الزغل حاكم مالقة
وكان ( فرناندو ) ملك قشتالة قد استغل خبرة أبي عبدالله الصغير ، وعدم تجربته ، وضعف ارادته ، فأقنعه أن الصلح مع قشتالة هو الصواب ، وفي ظروف حرجة أطلق فرناند سراح أبي عبدالله الصغير ، بعد أن وقعه على معاهده أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة ومدتها عامان . وتحقق للخبيث فرناندو ما أراده ، وتمزقت دولة الإسلام بالأندلس وقضي على المجد السني هناك .
وكانت الأميرة عائشة من فواضل النساء الأندلسيات اللواتي ساهمن في المواقف المشرفة بتاريخ الأندلس ، واثراء التاريخ النسوي بجلائل الأعمال .
وللأميرة عائشة دور مشرق ونضالي في تربية ابنها أبي عبدالله الصغير ، حيث أن كثيرا من النساء كن محاضن عظيمة خالدة وصالحة لتربية أجيال الأمة ، ونستطيع أن نقول : إن في مقدمة هؤلاء الأندلسيات السيدة الأميرة عائشة بنت أبي عبدالله الأيسر ، التي أحسنت تربية ابنها أبي عبدالله الصغير ، ولكنها ابتليت بأن ابنها قد ذهب الى رحلة ابتعاث قسري في سن لم تكن فية شخصيته قد اكتملت ونضجت ، إذ وقع في الأسر عند النصارى ، وقد استطاع النصارى تلويث تصور هذا الفتى ، فعاد من أسره والصورة صورته ، ولكن قلبة ليس ذلك القلب الذي نشأ على يد أمه عائشة ، وغدا كله دميه في يدي النصارى .
ويعتبر أبي عبدالله الصغير محمد سلطان غرناطة آخر ملوك غرناطة ، حيث جلس على العرش مكان أبية في أواخر سنه 887 هـ ، وأطاعته غرناطة بعد فرار أبية الى مالقة ، وكان للأميره عائشة والدته دور رائع في تثبيت ابنها على العرش بعد سلسه من الخلافات المثيره على عرش غرناطه ، أدى الى فرار زوجها السلطان أبو الحسن والد ابنها أبي عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس – كما مر معنا أنفا .
وقد حدثت في عهده سلسله من الفتن والمعارك والحروب ،انتهت بسقوط غرناطة آخر معقل للعرب في الفردوس المفقود .
فقد أخذت الممالك الأندلسية تنهار وتتساقط الواحدة تلو الأخرى ، وأخذ الزحف يقترب من غرناطة ، التي كانت تموج يومئذ بالوافدين إليها من مختلف القواعد الإسلامية ، وتضم بين أسوارها قرابة نصف مليون نسمه .
وبدأ حصار غرناطة ، وثبتت وقتا طويلا ، حتى تلقت الأمر من يد حاكمها ، وحار الناس ، و.....
ياصَاحِ أن مُلُوكَها قَد أَصبَحُوا لاَ حُكمَ في يَدِهم وَ لاَ سُلطَانَا
غَلَبَت عَلَيـــــهِم عُصبَةٌ تَتَرِيهٌ لَم تُبقِ للصيدِ المُلُـــوكِ كيَانَا
وأعيا الناس الحصار ، وعظم النكير ، وسكنت كثير من الأنفاس ، وعلا من سفل ، وسفل من علا ، واضطربت الأمور ، وصار العز الى المهانه ، وكان الناس عظاما أجلةً بررة ، فصاروا عظاما هشة نخرة ، و ...
وَكُنا عِظَاماً فَصِرنَا عِظَاماً وَكُنـا نَقُوتُ فَها نَحنُ قُوت
وَكُنا شُموسَ سَماءِ العُـــــلا غَرَبـنَ فَنَاحَت عَلينا البُيُوت
وأَنفَاسُنَـــــــا سَكَنت دَفعَـةً كَجهرِ الصلاةِ تلاهُ القُنُوت
وبعد رحلة تسليم غرناطة ، فالسواد الأعظم من الشعب لم يعد قادرا على هذا الأمر الفادح ، والخطب الجلل الذي تطيش عنده أحلام ذوي الحلم ، واستسلمت غرناطة بعد هدنه ، وبعد اتفاقية ومعاهدة للتسليم ، وظلت هناك نفوس أبية لا ترضى الذل للنصارى ، ولا للملك ( فرناندو ) الذي حارب الأندلسيين .