بالتفاصيل والحقائق..عمليات المخابرات المصرية بعهد عمر سليمان :أحبط اغتيال أهم رؤساء في العالم وكشف مخطط هجمات سبتمبر
كشفت سيناريوهات هجوم 11 سبتمبر على أمريكا قبل وقوعها بـ3 سنوات
إحباط محاولة معمر القذافى لقلب نظام حكم جعفر النميرى فى السودان
إحباط محاولة اغتيال أهم 8 رؤساء فى العالم بقمة دول الثمانى بإيطاليا
حددت لأمريكا مكان أيمن الظواهرى فى اليمن لكنها فشلت فى اغتياله
رحم الله رجلا.. عرف قدر نفسه.. وقدر وطنه.. رحم الله رجلا.. حمل الأمانة فى أثقل أعبائها.. وتحمل عبء اللحظة الأخيرة فى إعلان كلمة النهاية.. رغم أنه، أكثر من غيره.. يعرف جيدا ما تعنيه هذه النهاية.
ما كان حسنى مبارك يدعيه أمام الشعب.. كان اللواء عمر سليمان هو حقيقته.. كان هو الرجل الذى احترق قلبه بحب مصر واحترق عليها بمجرد أن فارقها.. فارقنا عمر سليمان وكأن الله لا يرضى له أن يرى ما لا يرضيه فى زمن الإخوان.. فرجل مثله.. وضع مصر فوق رأسه.. لا يمكن أن تدهسه الأقدام.
قد يكرهه «الثوار».. ولهم أسبابهم.. وقد يحبه «الفلول».. ولهم أسبابهم.. لكن الإحساس العام الذى ستجده لدى جموع الشعب.. هو أن السيد عمر سليمان «رجل محترم».. شريف.. له هيبة تجعل من الصعب أن تذكر اسمه دون أن يكون مصحوبا بلقب «السيد».. فغريزة الناس لا تخطئ.. تفهم جيدا من الذى يريد لهم الخير.. ومن الذى لا يريد الخير إلا لنفسه.. ولهذا السبب.. كانت نفس الألسنة التى سلخت مبارك وأسرته ورجاله بالشتائم والسخرية.. هى نفس الألسنة التى رددت أدعية بالرحمة لعمر سليمان.. وقرأت على روحه الفاتحة.
خطأ عمر سليمان هو قلب واجبه.. خطأه هو أنه دافع حتى آخر لحظة عن شرعية الرئيس.. خطأه أنه لم يقفز من السفينة الغارقة وظل يحاول إنقاذها رغم أنه يعرف كل ما فيها من عيوب.. لعله كان يرى فى الدفاع عن شرعية الرئيس حماية لمصر.. أو لعله كان يرى أن السفينة الغارقة.. بكل ثقوبها.. أرحم لمصر من قارب النجاة المفكك الذى وثبت فيه.
ربما أصاب.. وربما أخطأ.. لكن وطنيته ليست مجالا للنقاش.. مهما غضب من غضب.
لا تجعل كل الصراخ الدائر حاليا حول عمر سليمان يربكك.. فالحقيقة لن يعرفها أحد الآن مهما فعل.. ربما بعد عدة سنوات من الآن.. بعد أن يهدأ المخاض الذى تمر به مصر.. تجد من يكشف لك وقائع ومواقف رجل شريف فى نظام فاسد.. فالتاريخ يكشف عن وجهه الحقيقى دائما.. لنعرف أن تلك الحقيقة دائما لها أكثر من جانب.. وأنها لا ترضى أبدا كل الأطراف.
لكن الحقيقة التى لن يختلف عليها أحد.. هو أن الرجل لم يكن أبدا طالب سلطة.. أو مال.. وحتى فى اللحظات التى كان المزاج العام يطالب به رئيسا لمصر.. كان هو يفضل التوارى فى الظل.. مؤديا واجبه فى حماية الشرعية التى تقود البلاد.. حتى وإن كانت شرعية مسنة.. تسعى للانتقال لمراهق سياسى مثل جمال مبارك.. وربما كان الموقف الذى تذكره «الفجر» جيدا، هو عندما بدأت فى نشر حلقات كتاب أمريكى للمؤرخ العسكرى الشهير أوين إل سيرس.. كان يحمل عنوان تاريخ المخابرات المصرية.. واحتلت فيه عمليات هذا الجهاز فى عهد اللواء عمر سليمان مكانا بارزا.. نشرت الفجر أولى حلقات الكتاب فى وقت تزامن مع سفر الرئيس مبارك إلى ألمانيا للعلاج.. وهو ما فسره البعض خطأ، بأنه نوع من إبراز اسم اللواء عمر سليمان على حساب غيره.
ولعل الأمر تسبب فى حساسيات بالغة لرجل لا يريد من الدنيا إلا أن يخدم وطنه ويعمل فى صمت.. دون الدخول فى صراع على سلطة يتقاتل غيره عليها.. لكننا لا يمكن أن ندع وفاته تمر دون أن نسجل للناس شهادة الغرب عن عمر سليمان.. حتى وأن كانت «الموضة» الآن هى سب كل ما له علاقة بالنظام السابق.. وحتى وإن تصور البعض أن التاريخ لا يسجل سوى اللحظات الأخيرة.. ولا ينظر إلى قلب رجل تشهد أعماله كلها.. بأنه ينبض من أجل مصر.
لو أنك تشعر بمثل ما قرأت الآن.. فاقرأ للسيد عمر سليمان الفاتحة.كانت نهاية الموجة الإرهابية التى أطلقتها الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، هى بداية عهد جديد فى مجتمع الأمن القومى المصرى.. صارت مصر تواجه أخطارا جديدة تأتى من كوادر الجهاد الإسلامى التى لجأت للاختباء فى دول مثل باكستان وأفغانستان وألبانيا وغيرها من الدول.. هنا، أدركت مصر أن حربها ضد الإرهاب لابد أن تنتقل إلى خارج حدودها.. وكان جهاز المخابرات العامة، هو المحارب الرئيسى الذى حمل أعباء هذه المعركة.
على مدى سنوات التسعينيات، أدركت المخابرات العامة ، أن كوادر جماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية، كانت تلجأ إلى عدد من الدول العربية مثل السودان واليمن.. وبالنسبة لحالة اليمن، كانت العلاقة الوثيقة بين الأصوليين والمخابرات اليمنية تثير أعصاب المخابرات المصرية دائما.. والواقع أن الحكومة اليمنية عندها تاريخ من استخدام العرب الأفغان لمحاربة الانفصاليين فى الجنوب عام 1994، وظل ضباط المخابرات اليمنية على علاقات وطيدة بكل من تنظيم الجهاد وتنظيم القاعدة.. لكن.. وعلى الرغم من هذه التحفظات، فقد وقعت مصر إتفاقية شراكة بين أجهزة المخابرات مع اليمن عام 1995.
لقد أدركت المخابرات العامة المصرية، أن القضاء على «الجنات الآمنة».. أى الدول التى يعتبرها الإرهابيون ملاذا آمنا لممارسة نشاطاتهم.. كان أمرا حيويا للقضاء على التهديد الإرهابى .. كان هذا دقيقا جدا فى حالات السودان، واليمن، والعديد من دول الخليج التى وجد فيها الإرهابيون الملجأ الآمن، والتمويل المادى.. من أجل وقف ذلك.. توصل المصريون إلى عقد اتفاقيات أمنية مشتركة مع عدة دول عربية.. اشتملت على بنود مثل تبادل المعلومات وتسليم المشتبه فيهم.. وكانت هناك بعض المنافع لمثل هذه الإتفاقيات.. فبين عامى 1994 و1995 تسلمت مصر ما يقرب من 68 مشتبها فيهم من ثلاث دول عربية، وكذلك، أسفر الضغط المصرى (والأمريكى) عن إقناع الحكومة السعودية أخيرا بإسقاط الجنسية السعودية عن أسامة بن لادن.
خبراء فرنسيون لإعادة تنظيم المخابرات وعملية الإرهابى كارلوس
لم تكن الدول العربية وحدها هى «الجنات الآمنة» بالنسبة للإسلاميين.. فعلى مدى التسعينيات.. اتصلت المخابرات المصرية بأجهزة المخابرات فى الدول الأوروبية تطلب منهم تسليم، أو اعتقال، أو على الأقل مراقبة الأصوليين الإسلاميين المقيمين على أراضيهم.. ولم يستجب الأوروبيون للمصريين إلا نادرا.. فمثلا.. رفضت بريطانيا تسليم ياسر السرى، عضو جماعة الجهاد والمتهم فى عدة محاولات اغتيال، إلى القاهرة، وكذلك استمرت فى تجاهل تحذيرات القاهرة من تنظيم القاعدة.. مما أصاب القاهرة بالغضب.
لم تكن بريطانيا هى الوحيدة التى تلقت طلبات من القاهرة بالتعاون فى مجال المخابرات.. فرنسا أيضا ساعدت القاهرة على تعقب عدد من الأصوليين المطلوبين لديها فى التسعينيات.. وتقول المصادر إن بعض الخبراء الفرنسيين فى الشئون التقنية ساعدوا فى عملية إعادة تنظيم المخابرات فى بداية التسعينيات.. وبالمقابل.. وعلى الرغم من تضارب الروايات حول عملية إعتقال الإرهابى العالمى المعروف باسم كارلوس فى الخرطوم عام 1994، إلا أن هناك رواية واحدة على الأقل تؤكد أن المخابرات المصرية ساعدت الفرنسيين على تحديد موقع كارلوس واعتقاله بعد تخديره فى إحدى العمليات الجراحية.
واجهت القاهرة عدة مشكلات فى استعادة الإرهابيين من بريطانيا وغيرها من الدول، وهو ما أدى إلى نشر شائعات فى منتصف التسعينيات، تؤكد وجود «فرق موت» من الأمن القومى المصرى، يتم إرسالها إلى الخارج لتعقب وتصفية الإرهابيين المصريين، ويبدو أن هذه الشائعات قد أثارت مخاوف عدد من هؤلاء الإرهابيين فقرروا الرد بطريقتهم، وكانت النتيجة أن تم اغتيال دبلوماسى مصرى فى جنيف بسويسرا فى نوفمبر 1995، قيل إنه كان ضابط مخابرات تخفيًا، مهمته مراقبة اللاجئين السياسيين فى أوروبا.
2
كشفت سيناريو هجمات سبتمبر قبلها بثلاثة أعوام خوفا من توجيهها ضد مصالح مصرية
ما الذى كانت المخابرات المصرية تعرفه حول أحداث سبتمبر؟.. ثار السؤال فى الأشهر التى تلت أحداث سبتمبر فى دوائر الأمن القومى الامريكى بعد أن كرر الرئيس مبارك نفس ما فعله بعد هجمات عام 1993 على مركز التجارة العالمى، وخرج ليعلن أن المخابرات المصرية قدمت تحذيرات قوية للمخابرات المركزية الأمريكية قبل هجمات سبتمبر.. ووفقا لمبارك، فإن عملاء المخابرات المصرية الذين اخترقوا تنظيم القاعدة.. قدموا فى الفترة من مارس إلى مايو 2001، تقارير تشير إلى أن القاعدة تخطط لهجوم كبير ضد الولايات المتحدة.
أشار الرئيس السابق مبارك إلى أن المخابرات العامة لم تكن تعرف الأهداف المحددة، ولا الحجم المحتمل للهجوم.. لكنه أصر على أن المخابرات المصرية حذرت واشنطن من أن هناك تدبيرا لعملية كبرى ضدها.. وبالنسبة لإدارة بوش، كانت تصريحات مبارك تمثل حرجا بالغا لها لابد من انهائه سريعا.. لذلك.. أعلن البيت الأبيض أن واشنطن لم تتلق أى تحذيرات محددة بشأن هجمات سبتمبر.. وقال مسئول سابق فى المخابرات المركزية الأمريكية، إنه فى الوقت الذى قدمت فيه مصر معلومات حول هجمات محتملة ضد المصالح المصرية أو الأمريكية، فإنها لم تذكر شيئا حول أية هجمات داخل أراضى الولايات المتحدة الأمريكية.
إذن.. هل كان الرئيس مبارك مبالغا فى تصريحاته؟.. الواقع أنه على الرغم من أن تقارير المخابرات التى نقلت لواشنطن قبل هجمات سبتمبر لازالت تقارير سرية، إلا أن هناك بعض المصادر التى تشير إلى أن هناك معلومات مخابراتية واضحة قد تم مشاركتها بين الجانبين.
أحد تقارير المخابرات التى كشفت عنها لجنة التحقيقات بعد أحداث سبتمبر كان تقريرا مرفوعا للرئيس الامريكى بتاريخ 4 ديسمبر 1998.. كان هذا التقرير يستند على مصدر على علاقة بمناقشات الجماعة الإسلامية.. أشار ذلك المصدر إلى وجود خطة لتنظيم القاعدة لاختطاف طائرة بهدف الضغط لإطلاق سراح رمزى يوسف، وغيره من الإرهابيين المحتجزين فى السجون الأمريكية.. وحذر التقرير المرفوع إلى الرئيس الأمريكى من أن القاعدة كانت تبحث إمكانية السيطرة على طائرة مصرية أو أمريكية لتحقيق أهدافها.. وعلى الرغم من أنه لا يمكن استخلاص نتيجة تقريرية مما حدث، إلا أن الحديث عن هجمات لها علاقة بالجماعة الإسلامية، والكلام عن تخطيط هجمات ضد مصالح وأهداف مصرية، كلها أمور تشير إلى أن المخابرات المصرية كانت حتما أساس بعض المعلومات الواردة فى هذا التقرير.
3
أحبطت محاولة لاغتيال أهم 8 رؤساء فى العالم فى قمة دول الثمانى
قال مدير المخابرات المركزية السابق جورج تينيت امام لجنة التحقيق فى أحداث 11 سبتمبر، إن أجهزة الإنذار كلها وصلت إلى حدودها القصوى فى صيف 2001.. وكانت بعض أبرز هذه التحذيرات آتية من المخابرات العامة المصرية.. فى يونيه عام 2001 ، حذرت المخابرات العامة المصرية من أن القاعدة تنوى مهاجمة أهم 8 رؤساء فى العالم، بمن فيهم الرئيس بوش، خلال اجتماع قمة دول الثمانى فى جنوه، بإيطاليا.. كان رؤساء هذه الدول، هم رؤساء أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وروسيا وإيطاليا واليابان وكندا..
أشار الرئيس مبارك إلى أن تحذيرات المخابرات كانت تشير إلى إمكانية استخدام القاعدة لطائرة محملة بشحنات متفجرة.. لكن، إدعى أحد المسئولين الأمريكان أن هذه التحذيرات كانت عامة لا يمكن الاستفادة بها.
وفى 5 يوليو 2001، حذرت المخابرات المصرية الولايات المتحدة، من أن القاعدة كانت تستعد لشن هجمات على المصالح الأمريكية فى الخليج العربى. ومن المؤكد أن المخابرات المصرية قدمت عدة تحذيرات للأمريكان حول هجمات محتملة لتنظيم القاعدة ضد مصالح أمريكية.. حتى وإن لم تقدم معلومات تفصيلية حول هجمات سبتمبر نفسها.
وعلى الرغم من كل جهود المخابرات المصرية.. والأمريكية.. وغيرها من أجهزة المخابرات.. فقد أثبتت القاعدة أنها هدف يصعب الوصول إليه .. على الرغم من كل المحاولات لذلك.
حددت مكان أيمن الظواهرى فى مستشفى بصنعاء وفشلت أمريكا فى اعتقاله
فى صيف 2001، قدمت المخابرات المصرية معلومات للمخابرات المركزية الأمريكية عن مكان وجود أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة.. والساعد الأيمن لأسامة بن لادن.. كان أيمن الظواهرى، وفقا لمعلومات المخابرات المصرية فى مستشفى بصنعاء فى اليمن.
وضعت المخابرات المركزية الأمريكية رقابة لصيقة على الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة.. لكن، ولسوء حظها، تلقى أيمن الظواهرى تحذيرا من رجاله، أو من رجال المخابرات اليمنية، كشفت فيها مراقبة رجال المخابرات المركزية له.. فاستطاع أن يفر من هذه الرقابة إلى أفغانستان، بشكل ما، حيث لحق بزعيمه أسامة بن لادن هناك.
ولا شك أن التعاون بين المخابرات المصرية والمخابرات المركزية الأمريكية قد انتقل إلى مستوى جديد بعد أحداث 11 سبتمبر.. وهو ما عبر عنه أحد المسئولين الأمريكان فى زيارة له إلى القاهرة عام 2002، عندما قال: «لا يمكننا أن نطلب مزيدا من الدعم من الحكومة المصرية، لقد ساندونا بكل شكل ممكن، وشاركنا معهم كل ما نملك فى مجال المعلومات».
والأرجح أنه بعد هجمات سبتمبر اتصل ضباط المخابرات المركزية ورجال المباحث الفيدرالية الأمريكية بنظرائهم المصريين لمعرفة معلومات حول مختطفى الطائرتين.. فمثلا فى 13 سبتمبر 2001 تلقى الملحق القانونى للمباحث الفيدرالية فى القاهرة معلومات من مصادر لجهاز أمن الدولة حول العقل المدبر لهجمات سبتمبر محمد عطا. وتم إرسال هذه المعللومات إلى المقر الرئيسى للمباحث الفيدرالية الأمريكية حيث أنضمت إلى ملفات عن منفذى هجمات سبتمبر، وفى المقابل، حصلت المخابرات المصرية على حق الوصول إلى المعتقلين العرب الذين يقعون فى قبضة الولايات المتحدة فى افغانستان، والأهم أن المخابرات المصرية ضمنت استغلال شبكة المخابرات المركزية الأمريكية لتحديد مواقع الهاربين المصريين المشتبه فيهم، وأن تقيم شبكة اتصالاتها مع باقى أجهزة المخابرات فى العالم، وأن تطالب بتسليم الأصوليين المصريين المشتبه فيهم إليها.
5
مدير المخابرات الأمريكية حضر مع 20 خبيرا إلى القاهرة عام 1993 للاستفادة من خبرة الأمن المصرى فى مقاومة الإرهاب
بدأت دول جديدة تنتبه إلى خطر العرب الأفغان.. وبالتالى ازداد التعاون بين الدول فى مجال المخابرات.. بدأت علاقة التعاون بين المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات المصرية وجهاز أمن الدولة فى بداية التسعينيات.. ومن المؤكد أن المخابرات المصرية استفادت من المخابرات الأمريكية، لنقل قلقها من تواجد الإرهابيين على أراض أوروبية، وعدم تعاون تلك الدول فى تسليمهم، وكذلك من شبكات تمويل أنشطتهم عبر بعض دول الخليج.
لكن.. كان يوم 26 فبراير عام 1993.. يوم أول محاولة تفجير إرهابى لمركز التجارة العالمى فى نيويورك، هو اليوم الذى أطلق مرحلة جديدة فى تعاون المخابرات المصرية والأمريكية الوثيق أصلا.. قدمت المخابرات المصرية مساعدات عديدة للمخابرات المركزية والمباحث الفيدرالية أثناء التحقيق.. كان أهمها، تحديد موقع أحد المشتبه فيهم الرئيسيين، وإعتقاله، وهو رجل يدعى محمود أبو حليمة، كذلك قدمت المخابرات المصرية، معلومات مهمة حول أحد العقول المدبرة للعملية الإرهابية الأولى ضد مركز التجارة العالمى، وهو رمزى يوسف الذى فر إلى باكستان.
كان أكبر دليل على خبرة الأمن المصرى فى التعامل مع قضايا الإرهاب هو وصول مدير المخابرات المركزية الأمريكية جيمس وولسى فى أبريل 1993، بصحبة 20 خبيرا أمريكيا من وكالة المخابرات من المتخصصين فى شئون مكافحة الإرهاب، لعقد اجتماعات مع المخابرات العامة وأمن الدولة فى مصر. وكان ذلك هو الشهر الذى شهد ضغطا من الرئيس مبارك على باكستان، حتى تتعاون مع مصر فى تسليم الإرهابيين الموجودين على أراضيها، وعلى رأسهم أيمن الظواهرى.
وفى تلك الفترة أيضا، إتجه فريق مشترك من المخابرات المصرية والأمريكية إلى باكستان، للضغط على المخابرات الباكستانية للحصول على معلومات حول أكثر من 300 مصرى مقيمين فى بيشاور.
6
المخابرات الأمريكية دربت «فرقة موت» مصرية لاغتيال بن لادن، وتوقف المشروع عام 1998
حتى هذه اللحظة كان تعاون المخابرات المركزية مع المخابرات المصرية فى مجال تبادل المعلومات، والاستفادة من تكنولوجيا وخبرات الولايات المتحدة.. كلا الجانبين عملا فى مجال تحديد مواقع الإرهابيين، خاصة من ذوى الأصول المصرية، وكشف شبكة التعاملات المالية لهم، وكذلك متابعة الدور المتزايد لأسامة بن لادن، كممول للعمليات الإرهابية.. فمثلا تعاونت المخابرات المصرية مع الأمريكية فى أوائل التسعينيات لمراقبة معسكرات تدريب الإرهابيين التى أنشأها بن لادن فى الخرطوم.
حاولت أمريكا مرتين أن «تجس نبض « القاهرة ، ومدى قبولها لتقديم أسامة بن لادن للمحاكمة واعتقاله مرتين على الأقل.. لكن.. كان المصريون حذرين فى أمر تقديم بن لادن لمحاكمة علنية.. وعرضوا على الأمريكان تصفية أسامة بن لادن بدلا من ذلك .
الأهم هنا هو ما يقوله إدوارد واكر، سفير أمريكا السابق فى القاهرة. يؤكد واكر أن المخابرات المركزية الأمريكية قامت بتدريب فرقة قوات مصرية ، متخصصة فى مجال مكافحة الإرهاب ، حتى تم إغلاق ذلك البرنامج عام 1998.. ولا ينكر واكر، أنه هو والمخابرات المركزية كانوا يتعاملون بحذر فى مسألة تدريب قوات مصرية خاصة، لكنه شبه تلك القوات بأنها كانت أقرب إلى «فرق موت».. مهمتها القتل والتصفية، وليس «فرق اعتقالات» مهمتها التأديب والاعتقال.
7
الظواهرى اعترض على خطة إخفاء بن لادن فى صعيد مصر بعد عملية تغيير ملامحه، لخوفه من قدرات الأمن المصرى
كانت العملية الثانية التى اشتركت فيها المخابرات المصرية مع المخابرات الأمريكية فى ترحيل والتحقيق مع المشتبه فيهم، هى القضية التى تمت فى يوليو 1998، توصل فريق مشترك من المخابرات المركزية والمخابرات الألبانية، إلى أن هناك خلية تابعة لتنظيم الجهاد، تقوم بتزوير جوازات السفر وتحويل الأموال وإقامة معسكرات تدريب فى ألبانيا.. تم اعتقال وترحيل أربعة من أفراد هذه الخلية على الأقل إلى المخابرات العامة المصرية، التى تولت استجوابهم، وكان من ضمن الاعترافات التى أدلوا بها، اعترافهم بخطة تنظيم الجهاد لإ نزال فريق خاص على سطح سجن العقرب ، ويطلقون ثورة داخلية بواسطة السجناء هناك.. وكانت الخطة الثانية التى كشفت عنها اعترافات المتهمين، هى محاولة الجماعة الإسلامية إقناع بن لادن بالانتقال إلى صعيد مصر، ليختبىء هناك بعد أن يقوم بإجراء عملية تجميل لتغيير ملامحه.. إلا أن أيمن الظواهرى، الساعد الأيمن له، والطبيب المصرى، أشار عليه بعدم الاستجابة لهذه الخطة، ونجح فى إقناع بن لادن بعدم الذهاب إلى الصعيد، خوفا من قدرات المخابرات العامة وكفاءتها الشديدة.. خاصة عندما تتعامل مع أعداء على أرضها.
8
زوجة شقيق أيمن الظواهرى تسلم نفسها للمخابرات المصرية فى اليمن وتبلغ عن مكانه
بين عامى 1998 و1999، كان هناك تعاون جديد بين المخابرات المصرية والأمريكية فى مجال مكافحة الإرهاب.. قامت زوجة محمد الظواهرى، شقيق أيمن الظواهرى بتسليم نفسها لضباط المخابرات المصرية فى اليمن، وكشفت عن مكان زوجها.. وفى إبريل من عام 1999، تم القاء القبض على محمد الظواهرى، أحد قادة تنظيم الجهاد السابقين، فى الإمارات العربية المتحدة، وتم ترحيله إلى القاهرة بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية.
كشفت زوجة محمد الظواهرى أيضا عن مكان شقيق آخر لأيمن .. وعلى الرغم من أن توقيت هذه العملية غير واضح، إلا أن المخابرات الماليزية ألقت القبض على حسين الظواهرى، ونقله إلى قبضة فريق مشترك من رجال المخابرات المصرية والمخابرات الأمريكية.. وبعد ستة أشهر من التحقيق معه تم إطلاق سراح حسين الظواهرى ليصبح رهن الاعتقال فى منزله.. أما محمد الظواهرى، فظن الكل أنه مات، حتى كشفت صحيفة فى لندن عن أنه ما زال على قيد الحياة، ومعتقل فى سجن طرة عام 2003.
لقد لعبت المخابرات المصرية العامة دورا شديد الأهمية فى اختراق الجماعات الإرهابية، فى الوقت الذى كانت فيه المخابرات المركزية الأمريكية تفتقر فيه إلى «ضباط الحالة».. أو ضباط الميدان الذين يملكون الخبرة الكافية أو الخلفية المناسبة للتعامل مع ثقافات ولغات الشرق الأوسط.. وكانت غالبا ما تلجأ إلى ضباط المخابرات المصرية لسد تلك الثغرة فيها.
كانت المخابرات المصرية، على العكس من الأمريكية، تمتلك خبرة واسعة فى التعامل مع جماعة الجهاد التى كانت تمثل أهم عنصر، وربما العنصر المؤثر الوحيد، فى تنظيم القاعدة.. وكانت النتيجة أن المخابرات المركزية الأمريكية قدمت ، من دون شك، التمويل اللازم ، والتكنولوجيا المطلوبة لمساعدة المخابرات المصرية على اختراق تنظيم القاعدة.
9
إحباط محاولة ليبية لقلب نظام حكم جعفر النميرى فى السودان
التحدى المبكر الذى واجه جهاز المخابرات المصرى فى بداية عهد مبارك، هو تحد قريب على الحدود.. من الناحية الغربية، قادما من ليبيا .. ممثلا فى شخص العقيد معمر القذافى.
لم يدار العقيد القذافى ترحيبه باغتيال السادات، ولم تتحسن علاقته كثيرا بالرئيس مبارك فى بداية عهده، بأكثر مما كانت علاقته بالسادات.. لكن الرئيس مبارك، على العكس من الرئيس السادات، كان أكثر صبرا فى التعامل مع الرئيس الليبى.. وعلى الرغم من ذلك، وصلت استفزازات العقيد القذافى إلى حد لا يطاق أكثر من مرة خلال فترة الثمانينيات.. عندما وصل البلدين إلى نقطة قريبة من الانفجار، بعد أن كانت المخابرات الليبية فى مركز هجوم متعدد الأوجه ضد مصر.
دعمت ليبيا عدة جماعات إرهابية فلسطينية مناوئة للقاهرة مثل جماعة أبونضال.. ولجأ إليها عدد من الهاربين الكبار من مصر، ونسجت طرابلس المؤامرات ضد القاهرة وحلفائها فى السودان وتشاد فى ذلك الوقت.
فى عام 1983 حاولت مخابرات القذافى قلب نظام حكم الرئيس السودانى جعفر النميرى المؤيد لمصر.. وهنا، توجد روايتان عن الدور الذى لعبته المخابرات المصرية لإحباط هذه المؤامرة.. تقول الرواية الأولى إن المخابرات المصرية ونظيرتها السودانية، نجحتا فى إفساد خطة ليبية لاغتيال جعفر النميرى ووضع نظام حكم موال لليبيا فى الخرطوم بدلا منه.. وبمجرد أن علم مبارك بهذه الخطة، طلب من أمريكا طائرة تجسس ورادارخاصة لمراقبة حدود مصر الجنوبية.. وبمجرد أن كشفت أمريكا عن مهمة طائرتها على حدود مصر الجنوبية فى منتصف فبراير من نفس العام، قرر القذافى على الفور التراجع عن مخططاته فى السودان.
تقول الرواية الثانية عن دور المخابرات المصرية فى إحباط الخطة الليبية، إن المخابرات السودانية شكلت جماعة متمردة زائفة، طلبت من ليبيا مساعدتها على الإطاحة بجعفر النميرى.. ثم دعا السودانيون المخابرات المصرية والأمريكية، لرسم خطة لاجتذاب القوات الجوية الليبية إلى شمال السودان، وهناك، تتعامل معها القوات المصرية المزودة بنظم رادار وطائرات تجسس أمريكية.. ويقال حتى أن الأقمار الصناعية الأمريكية التقطت مؤشرات على نشر طائرات القوات الجوية الليبية على نطاق واسع فى منطقة الكوفة، قبل أن يأمر القذافى بإلغاء العملية لأسباب مجهولة.
10
أمين سلطان: بطل المخابرات المصرى المجهول فى حرب تحرير الكويت
بمجرد أن اجتاح صدام حسين الكويت عام 1990، وجدت مصر والدول الحليفة لها نفسها فى مواجهة معضلة أمنية غير متوقعة.. كان من الممكن أن تعيد ترتيب موازين القوى من جديد فى الشرق الأوسط.. كان الخوف الحقيقى أن يقوم صدام حسين أيضا باحتلال السعودية، مسيطرا بذلك على نسبة كبيرة من احتياطى الطاقة فى العالم.
واجهت المخابرات المصرية تحديات جديدة مع أزمة الكويت.. كان عليها أن تواصل جمع المعلومات عن القيادة والجيش والمعارضة العراقية.. فى الوقت الذى تواصل فيه مراقبة الفلسطينيين المتطرفين الموالين للعراق.. ومما لا شك فيه أن قنوات الاتصال بين المخابرات المصرية والأمريكية كانت مفتوحة فى ذلك الوقت لتبادل المعلومات والآراء حول الوضع فى العراق.. فى الوقت نفسه، ركزت المخابرات الحربية على ضرورة حماية الضباط المصريين الموجودين فى السعودية.. من خلال إعداد تقارير عن قدرات القوات العسكرية العراقية.. وكتائبهم الاستطلاعية فى الكويت.. وتوقع ضباط المخابرات المصرية فى نقاشاتهم مع المراسلين الأجانب، انتصارا سريعا لقوات التحالف ضد العراق.
ساهمت المخابرات المصرية فى حماية مصالح مصر فى حرب تحرير الكويت بطرق أخرى.. عملت المخابرات العامة المصرية عن قرب مع إدارة المخابرات السعودية، لترتيب عملية حرب نفسية شاملة ضد العراق، وكان البطل المصرى فى هذه العملية، هو ضابط مخابرات مصرى، اسمه أمين سلطان.. وهو الضابط الذى وصف فيما بعد بأنه واحد من «أكثر الضباط خبرة» فى مجال عمليات المخابرات.. عمل أمين سلطان مع السعوديين والأمريكان، لتطوير محطات إذاعية سرية ، ومنشورات ضد العراق.. يدعو فيها الضباط العراقيين إلى الاستسلام.. وكانت خطة الحرب النفسية أيضا تستهدف دعم قناعات صدام بأن قوات التحالف ستسعى لتحرير الكويت، دون غزو العراق.
كانت المخابرات المصرية تواجه تحديا آخر.. داخليا.. ممثلا فى ضباط وعملاء المخابرات العراقية الذين كانوا يعملون منفردين، أو بالمشاركة مع بعض الإرهابيين الفلسطينيين.. فى تلك الفترة، أعلن جهاز أمن الدولة عن كشف مؤامرة عراقية لتخريب البنية الأساسية لصناعة السياحة فى مصر، إضافة لاغتيال بعض أبرز المسئولين المصريين.. وكانت هناك مخاوف أيضا من أن يقوم ضباط المخابرات العراقية بمحاولة منع تأخير نشر قوات التحالف فى السعودية، من خلال إغراق سفن محملة بالأسمنت فى قناة السويس.. وسد مجراها.
كشفت سيناريوهات هجوم 11 سبتمبر على أمريكا قبل وقوعها بـ3 سنوات
إحباط محاولة معمر القذافى لقلب نظام حكم جعفر النميرى فى السودان
إحباط محاولة اغتيال أهم 8 رؤساء فى العالم بقمة دول الثمانى بإيطاليا
حددت لأمريكا مكان أيمن الظواهرى فى اليمن لكنها فشلت فى اغتياله
رحم الله رجلا.. عرف قدر نفسه.. وقدر وطنه.. رحم الله رجلا.. حمل الأمانة فى أثقل أعبائها.. وتحمل عبء اللحظة الأخيرة فى إعلان كلمة النهاية.. رغم أنه، أكثر من غيره.. يعرف جيدا ما تعنيه هذه النهاية.
ما كان حسنى مبارك يدعيه أمام الشعب.. كان اللواء عمر سليمان هو حقيقته.. كان هو الرجل الذى احترق قلبه بحب مصر واحترق عليها بمجرد أن فارقها.. فارقنا عمر سليمان وكأن الله لا يرضى له أن يرى ما لا يرضيه فى زمن الإخوان.. فرجل مثله.. وضع مصر فوق رأسه.. لا يمكن أن تدهسه الأقدام.
قد يكرهه «الثوار».. ولهم أسبابهم.. وقد يحبه «الفلول».. ولهم أسبابهم.. لكن الإحساس العام الذى ستجده لدى جموع الشعب.. هو أن السيد عمر سليمان «رجل محترم».. شريف.. له هيبة تجعل من الصعب أن تذكر اسمه دون أن يكون مصحوبا بلقب «السيد».. فغريزة الناس لا تخطئ.. تفهم جيدا من الذى يريد لهم الخير.. ومن الذى لا يريد الخير إلا لنفسه.. ولهذا السبب.. كانت نفس الألسنة التى سلخت مبارك وأسرته ورجاله بالشتائم والسخرية.. هى نفس الألسنة التى رددت أدعية بالرحمة لعمر سليمان.. وقرأت على روحه الفاتحة.
خطأ عمر سليمان هو قلب واجبه.. خطأه هو أنه دافع حتى آخر لحظة عن شرعية الرئيس.. خطأه أنه لم يقفز من السفينة الغارقة وظل يحاول إنقاذها رغم أنه يعرف كل ما فيها من عيوب.. لعله كان يرى فى الدفاع عن شرعية الرئيس حماية لمصر.. أو لعله كان يرى أن السفينة الغارقة.. بكل ثقوبها.. أرحم لمصر من قارب النجاة المفكك الذى وثبت فيه.
ربما أصاب.. وربما أخطأ.. لكن وطنيته ليست مجالا للنقاش.. مهما غضب من غضب.
لا تجعل كل الصراخ الدائر حاليا حول عمر سليمان يربكك.. فالحقيقة لن يعرفها أحد الآن مهما فعل.. ربما بعد عدة سنوات من الآن.. بعد أن يهدأ المخاض الذى تمر به مصر.. تجد من يكشف لك وقائع ومواقف رجل شريف فى نظام فاسد.. فالتاريخ يكشف عن وجهه الحقيقى دائما.. لنعرف أن تلك الحقيقة دائما لها أكثر من جانب.. وأنها لا ترضى أبدا كل الأطراف.
لكن الحقيقة التى لن يختلف عليها أحد.. هو أن الرجل لم يكن أبدا طالب سلطة.. أو مال.. وحتى فى اللحظات التى كان المزاج العام يطالب به رئيسا لمصر.. كان هو يفضل التوارى فى الظل.. مؤديا واجبه فى حماية الشرعية التى تقود البلاد.. حتى وإن كانت شرعية مسنة.. تسعى للانتقال لمراهق سياسى مثل جمال مبارك.. وربما كان الموقف الذى تذكره «الفجر» جيدا، هو عندما بدأت فى نشر حلقات كتاب أمريكى للمؤرخ العسكرى الشهير أوين إل سيرس.. كان يحمل عنوان تاريخ المخابرات المصرية.. واحتلت فيه عمليات هذا الجهاز فى عهد اللواء عمر سليمان مكانا بارزا.. نشرت الفجر أولى حلقات الكتاب فى وقت تزامن مع سفر الرئيس مبارك إلى ألمانيا للعلاج.. وهو ما فسره البعض خطأ، بأنه نوع من إبراز اسم اللواء عمر سليمان على حساب غيره.
ولعل الأمر تسبب فى حساسيات بالغة لرجل لا يريد من الدنيا إلا أن يخدم وطنه ويعمل فى صمت.. دون الدخول فى صراع على سلطة يتقاتل غيره عليها.. لكننا لا يمكن أن ندع وفاته تمر دون أن نسجل للناس شهادة الغرب عن عمر سليمان.. حتى وأن كانت «الموضة» الآن هى سب كل ما له علاقة بالنظام السابق.. وحتى وإن تصور البعض أن التاريخ لا يسجل سوى اللحظات الأخيرة.. ولا ينظر إلى قلب رجل تشهد أعماله كلها.. بأنه ينبض من أجل مصر.
لو أنك تشعر بمثل ما قرأت الآن.. فاقرأ للسيد عمر سليمان الفاتحة.كانت نهاية الموجة الإرهابية التى أطلقتها الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، هى بداية عهد جديد فى مجتمع الأمن القومى المصرى.. صارت مصر تواجه أخطارا جديدة تأتى من كوادر الجهاد الإسلامى التى لجأت للاختباء فى دول مثل باكستان وأفغانستان وألبانيا وغيرها من الدول.. هنا، أدركت مصر أن حربها ضد الإرهاب لابد أن تنتقل إلى خارج حدودها.. وكان جهاز المخابرات العامة، هو المحارب الرئيسى الذى حمل أعباء هذه المعركة.
على مدى سنوات التسعينيات، أدركت المخابرات العامة ، أن كوادر جماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية، كانت تلجأ إلى عدد من الدول العربية مثل السودان واليمن.. وبالنسبة لحالة اليمن، كانت العلاقة الوثيقة بين الأصوليين والمخابرات اليمنية تثير أعصاب المخابرات المصرية دائما.. والواقع أن الحكومة اليمنية عندها تاريخ من استخدام العرب الأفغان لمحاربة الانفصاليين فى الجنوب عام 1994، وظل ضباط المخابرات اليمنية على علاقات وطيدة بكل من تنظيم الجهاد وتنظيم القاعدة.. لكن.. وعلى الرغم من هذه التحفظات، فقد وقعت مصر إتفاقية شراكة بين أجهزة المخابرات مع اليمن عام 1995.
لقد أدركت المخابرات العامة المصرية، أن القضاء على «الجنات الآمنة».. أى الدول التى يعتبرها الإرهابيون ملاذا آمنا لممارسة نشاطاتهم.. كان أمرا حيويا للقضاء على التهديد الإرهابى .. كان هذا دقيقا جدا فى حالات السودان، واليمن، والعديد من دول الخليج التى وجد فيها الإرهابيون الملجأ الآمن، والتمويل المادى.. من أجل وقف ذلك.. توصل المصريون إلى عقد اتفاقيات أمنية مشتركة مع عدة دول عربية.. اشتملت على بنود مثل تبادل المعلومات وتسليم المشتبه فيهم.. وكانت هناك بعض المنافع لمثل هذه الإتفاقيات.. فبين عامى 1994 و1995 تسلمت مصر ما يقرب من 68 مشتبها فيهم من ثلاث دول عربية، وكذلك، أسفر الضغط المصرى (والأمريكى) عن إقناع الحكومة السعودية أخيرا بإسقاط الجنسية السعودية عن أسامة بن لادن.
خبراء فرنسيون لإعادة تنظيم المخابرات وعملية الإرهابى كارلوس
لم تكن الدول العربية وحدها هى «الجنات الآمنة» بالنسبة للإسلاميين.. فعلى مدى التسعينيات.. اتصلت المخابرات المصرية بأجهزة المخابرات فى الدول الأوروبية تطلب منهم تسليم، أو اعتقال، أو على الأقل مراقبة الأصوليين الإسلاميين المقيمين على أراضيهم.. ولم يستجب الأوروبيون للمصريين إلا نادرا.. فمثلا.. رفضت بريطانيا تسليم ياسر السرى، عضو جماعة الجهاد والمتهم فى عدة محاولات اغتيال، إلى القاهرة، وكذلك استمرت فى تجاهل تحذيرات القاهرة من تنظيم القاعدة.. مما أصاب القاهرة بالغضب.
لم تكن بريطانيا هى الوحيدة التى تلقت طلبات من القاهرة بالتعاون فى مجال المخابرات.. فرنسا أيضا ساعدت القاهرة على تعقب عدد من الأصوليين المطلوبين لديها فى التسعينيات.. وتقول المصادر إن بعض الخبراء الفرنسيين فى الشئون التقنية ساعدوا فى عملية إعادة تنظيم المخابرات فى بداية التسعينيات.. وبالمقابل.. وعلى الرغم من تضارب الروايات حول عملية إعتقال الإرهابى العالمى المعروف باسم كارلوس فى الخرطوم عام 1994، إلا أن هناك رواية واحدة على الأقل تؤكد أن المخابرات المصرية ساعدت الفرنسيين على تحديد موقع كارلوس واعتقاله بعد تخديره فى إحدى العمليات الجراحية.
واجهت القاهرة عدة مشكلات فى استعادة الإرهابيين من بريطانيا وغيرها من الدول، وهو ما أدى إلى نشر شائعات فى منتصف التسعينيات، تؤكد وجود «فرق موت» من الأمن القومى المصرى، يتم إرسالها إلى الخارج لتعقب وتصفية الإرهابيين المصريين، ويبدو أن هذه الشائعات قد أثارت مخاوف عدد من هؤلاء الإرهابيين فقرروا الرد بطريقتهم، وكانت النتيجة أن تم اغتيال دبلوماسى مصرى فى جنيف بسويسرا فى نوفمبر 1995، قيل إنه كان ضابط مخابرات تخفيًا، مهمته مراقبة اللاجئين السياسيين فى أوروبا.
2
كشفت سيناريو هجمات سبتمبر قبلها بثلاثة أعوام خوفا من توجيهها ضد مصالح مصرية
ما الذى كانت المخابرات المصرية تعرفه حول أحداث سبتمبر؟.. ثار السؤال فى الأشهر التى تلت أحداث سبتمبر فى دوائر الأمن القومى الامريكى بعد أن كرر الرئيس مبارك نفس ما فعله بعد هجمات عام 1993 على مركز التجارة العالمى، وخرج ليعلن أن المخابرات المصرية قدمت تحذيرات قوية للمخابرات المركزية الأمريكية قبل هجمات سبتمبر.. ووفقا لمبارك، فإن عملاء المخابرات المصرية الذين اخترقوا تنظيم القاعدة.. قدموا فى الفترة من مارس إلى مايو 2001، تقارير تشير إلى أن القاعدة تخطط لهجوم كبير ضد الولايات المتحدة.
أشار الرئيس السابق مبارك إلى أن المخابرات العامة لم تكن تعرف الأهداف المحددة، ولا الحجم المحتمل للهجوم.. لكنه أصر على أن المخابرات المصرية حذرت واشنطن من أن هناك تدبيرا لعملية كبرى ضدها.. وبالنسبة لإدارة بوش، كانت تصريحات مبارك تمثل حرجا بالغا لها لابد من انهائه سريعا.. لذلك.. أعلن البيت الأبيض أن واشنطن لم تتلق أى تحذيرات محددة بشأن هجمات سبتمبر.. وقال مسئول سابق فى المخابرات المركزية الأمريكية، إنه فى الوقت الذى قدمت فيه مصر معلومات حول هجمات محتملة ضد المصالح المصرية أو الأمريكية، فإنها لم تذكر شيئا حول أية هجمات داخل أراضى الولايات المتحدة الأمريكية.
إذن.. هل كان الرئيس مبارك مبالغا فى تصريحاته؟.. الواقع أنه على الرغم من أن تقارير المخابرات التى نقلت لواشنطن قبل هجمات سبتمبر لازالت تقارير سرية، إلا أن هناك بعض المصادر التى تشير إلى أن هناك معلومات مخابراتية واضحة قد تم مشاركتها بين الجانبين.
أحد تقارير المخابرات التى كشفت عنها لجنة التحقيقات بعد أحداث سبتمبر كان تقريرا مرفوعا للرئيس الامريكى بتاريخ 4 ديسمبر 1998.. كان هذا التقرير يستند على مصدر على علاقة بمناقشات الجماعة الإسلامية.. أشار ذلك المصدر إلى وجود خطة لتنظيم القاعدة لاختطاف طائرة بهدف الضغط لإطلاق سراح رمزى يوسف، وغيره من الإرهابيين المحتجزين فى السجون الأمريكية.. وحذر التقرير المرفوع إلى الرئيس الأمريكى من أن القاعدة كانت تبحث إمكانية السيطرة على طائرة مصرية أو أمريكية لتحقيق أهدافها.. وعلى الرغم من أنه لا يمكن استخلاص نتيجة تقريرية مما حدث، إلا أن الحديث عن هجمات لها علاقة بالجماعة الإسلامية، والكلام عن تخطيط هجمات ضد مصالح وأهداف مصرية، كلها أمور تشير إلى أن المخابرات المصرية كانت حتما أساس بعض المعلومات الواردة فى هذا التقرير.
3
أحبطت محاولة لاغتيال أهم 8 رؤساء فى العالم فى قمة دول الثمانى
قال مدير المخابرات المركزية السابق جورج تينيت امام لجنة التحقيق فى أحداث 11 سبتمبر، إن أجهزة الإنذار كلها وصلت إلى حدودها القصوى فى صيف 2001.. وكانت بعض أبرز هذه التحذيرات آتية من المخابرات العامة المصرية.. فى يونيه عام 2001 ، حذرت المخابرات العامة المصرية من أن القاعدة تنوى مهاجمة أهم 8 رؤساء فى العالم، بمن فيهم الرئيس بوش، خلال اجتماع قمة دول الثمانى فى جنوه، بإيطاليا.. كان رؤساء هذه الدول، هم رؤساء أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وروسيا وإيطاليا واليابان وكندا..
أشار الرئيس مبارك إلى أن تحذيرات المخابرات كانت تشير إلى إمكانية استخدام القاعدة لطائرة محملة بشحنات متفجرة.. لكن، إدعى أحد المسئولين الأمريكان أن هذه التحذيرات كانت عامة لا يمكن الاستفادة بها.
وفى 5 يوليو 2001، حذرت المخابرات المصرية الولايات المتحدة، من أن القاعدة كانت تستعد لشن هجمات على المصالح الأمريكية فى الخليج العربى. ومن المؤكد أن المخابرات المصرية قدمت عدة تحذيرات للأمريكان حول هجمات محتملة لتنظيم القاعدة ضد مصالح أمريكية.. حتى وإن لم تقدم معلومات تفصيلية حول هجمات سبتمبر نفسها.
وعلى الرغم من كل جهود المخابرات المصرية.. والأمريكية.. وغيرها من أجهزة المخابرات.. فقد أثبتت القاعدة أنها هدف يصعب الوصول إليه .. على الرغم من كل المحاولات لذلك.
حددت مكان أيمن الظواهرى فى مستشفى بصنعاء وفشلت أمريكا فى اعتقاله
فى صيف 2001، قدمت المخابرات المصرية معلومات للمخابرات المركزية الأمريكية عن مكان وجود أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة.. والساعد الأيمن لأسامة بن لادن.. كان أيمن الظواهرى، وفقا لمعلومات المخابرات المصرية فى مستشفى بصنعاء فى اليمن.
وضعت المخابرات المركزية الأمريكية رقابة لصيقة على الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة.. لكن، ولسوء حظها، تلقى أيمن الظواهرى تحذيرا من رجاله، أو من رجال المخابرات اليمنية، كشفت فيها مراقبة رجال المخابرات المركزية له.. فاستطاع أن يفر من هذه الرقابة إلى أفغانستان، بشكل ما، حيث لحق بزعيمه أسامة بن لادن هناك.
ولا شك أن التعاون بين المخابرات المصرية والمخابرات المركزية الأمريكية قد انتقل إلى مستوى جديد بعد أحداث 11 سبتمبر.. وهو ما عبر عنه أحد المسئولين الأمريكان فى زيارة له إلى القاهرة عام 2002، عندما قال: «لا يمكننا أن نطلب مزيدا من الدعم من الحكومة المصرية، لقد ساندونا بكل شكل ممكن، وشاركنا معهم كل ما نملك فى مجال المعلومات».
والأرجح أنه بعد هجمات سبتمبر اتصل ضباط المخابرات المركزية ورجال المباحث الفيدرالية الأمريكية بنظرائهم المصريين لمعرفة معلومات حول مختطفى الطائرتين.. فمثلا فى 13 سبتمبر 2001 تلقى الملحق القانونى للمباحث الفيدرالية فى القاهرة معلومات من مصادر لجهاز أمن الدولة حول العقل المدبر لهجمات سبتمبر محمد عطا. وتم إرسال هذه المعللومات إلى المقر الرئيسى للمباحث الفيدرالية الأمريكية حيث أنضمت إلى ملفات عن منفذى هجمات سبتمبر، وفى المقابل، حصلت المخابرات المصرية على حق الوصول إلى المعتقلين العرب الذين يقعون فى قبضة الولايات المتحدة فى افغانستان، والأهم أن المخابرات المصرية ضمنت استغلال شبكة المخابرات المركزية الأمريكية لتحديد مواقع الهاربين المصريين المشتبه فيهم، وأن تقيم شبكة اتصالاتها مع باقى أجهزة المخابرات فى العالم، وأن تطالب بتسليم الأصوليين المصريين المشتبه فيهم إليها.
5
مدير المخابرات الأمريكية حضر مع 20 خبيرا إلى القاهرة عام 1993 للاستفادة من خبرة الأمن المصرى فى مقاومة الإرهاب
بدأت دول جديدة تنتبه إلى خطر العرب الأفغان.. وبالتالى ازداد التعاون بين الدول فى مجال المخابرات.. بدأت علاقة التعاون بين المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات المصرية وجهاز أمن الدولة فى بداية التسعينيات.. ومن المؤكد أن المخابرات المصرية استفادت من المخابرات الأمريكية، لنقل قلقها من تواجد الإرهابيين على أراض أوروبية، وعدم تعاون تلك الدول فى تسليمهم، وكذلك من شبكات تمويل أنشطتهم عبر بعض دول الخليج.
لكن.. كان يوم 26 فبراير عام 1993.. يوم أول محاولة تفجير إرهابى لمركز التجارة العالمى فى نيويورك، هو اليوم الذى أطلق مرحلة جديدة فى تعاون المخابرات المصرية والأمريكية الوثيق أصلا.. قدمت المخابرات المصرية مساعدات عديدة للمخابرات المركزية والمباحث الفيدرالية أثناء التحقيق.. كان أهمها، تحديد موقع أحد المشتبه فيهم الرئيسيين، وإعتقاله، وهو رجل يدعى محمود أبو حليمة، كذلك قدمت المخابرات المصرية، معلومات مهمة حول أحد العقول المدبرة للعملية الإرهابية الأولى ضد مركز التجارة العالمى، وهو رمزى يوسف الذى فر إلى باكستان.
كان أكبر دليل على خبرة الأمن المصرى فى التعامل مع قضايا الإرهاب هو وصول مدير المخابرات المركزية الأمريكية جيمس وولسى فى أبريل 1993، بصحبة 20 خبيرا أمريكيا من وكالة المخابرات من المتخصصين فى شئون مكافحة الإرهاب، لعقد اجتماعات مع المخابرات العامة وأمن الدولة فى مصر. وكان ذلك هو الشهر الذى شهد ضغطا من الرئيس مبارك على باكستان، حتى تتعاون مع مصر فى تسليم الإرهابيين الموجودين على أراضيها، وعلى رأسهم أيمن الظواهرى.
وفى تلك الفترة أيضا، إتجه فريق مشترك من المخابرات المصرية والأمريكية إلى باكستان، للضغط على المخابرات الباكستانية للحصول على معلومات حول أكثر من 300 مصرى مقيمين فى بيشاور.
6
المخابرات الأمريكية دربت «فرقة موت» مصرية لاغتيال بن لادن، وتوقف المشروع عام 1998
حتى هذه اللحظة كان تعاون المخابرات المركزية مع المخابرات المصرية فى مجال تبادل المعلومات، والاستفادة من تكنولوجيا وخبرات الولايات المتحدة.. كلا الجانبين عملا فى مجال تحديد مواقع الإرهابيين، خاصة من ذوى الأصول المصرية، وكشف شبكة التعاملات المالية لهم، وكذلك متابعة الدور المتزايد لأسامة بن لادن، كممول للعمليات الإرهابية.. فمثلا تعاونت المخابرات المصرية مع الأمريكية فى أوائل التسعينيات لمراقبة معسكرات تدريب الإرهابيين التى أنشأها بن لادن فى الخرطوم.
حاولت أمريكا مرتين أن «تجس نبض « القاهرة ، ومدى قبولها لتقديم أسامة بن لادن للمحاكمة واعتقاله مرتين على الأقل.. لكن.. كان المصريون حذرين فى أمر تقديم بن لادن لمحاكمة علنية.. وعرضوا على الأمريكان تصفية أسامة بن لادن بدلا من ذلك .
الأهم هنا هو ما يقوله إدوارد واكر، سفير أمريكا السابق فى القاهرة. يؤكد واكر أن المخابرات المركزية الأمريكية قامت بتدريب فرقة قوات مصرية ، متخصصة فى مجال مكافحة الإرهاب ، حتى تم إغلاق ذلك البرنامج عام 1998.. ولا ينكر واكر، أنه هو والمخابرات المركزية كانوا يتعاملون بحذر فى مسألة تدريب قوات مصرية خاصة، لكنه شبه تلك القوات بأنها كانت أقرب إلى «فرق موت».. مهمتها القتل والتصفية، وليس «فرق اعتقالات» مهمتها التأديب والاعتقال.
7
الظواهرى اعترض على خطة إخفاء بن لادن فى صعيد مصر بعد عملية تغيير ملامحه، لخوفه من قدرات الأمن المصرى
كانت العملية الثانية التى اشتركت فيها المخابرات المصرية مع المخابرات الأمريكية فى ترحيل والتحقيق مع المشتبه فيهم، هى القضية التى تمت فى يوليو 1998، توصل فريق مشترك من المخابرات المركزية والمخابرات الألبانية، إلى أن هناك خلية تابعة لتنظيم الجهاد، تقوم بتزوير جوازات السفر وتحويل الأموال وإقامة معسكرات تدريب فى ألبانيا.. تم اعتقال وترحيل أربعة من أفراد هذه الخلية على الأقل إلى المخابرات العامة المصرية، التى تولت استجوابهم، وكان من ضمن الاعترافات التى أدلوا بها، اعترافهم بخطة تنظيم الجهاد لإ نزال فريق خاص على سطح سجن العقرب ، ويطلقون ثورة داخلية بواسطة السجناء هناك.. وكانت الخطة الثانية التى كشفت عنها اعترافات المتهمين، هى محاولة الجماعة الإسلامية إقناع بن لادن بالانتقال إلى صعيد مصر، ليختبىء هناك بعد أن يقوم بإجراء عملية تجميل لتغيير ملامحه.. إلا أن أيمن الظواهرى، الساعد الأيمن له، والطبيب المصرى، أشار عليه بعدم الاستجابة لهذه الخطة، ونجح فى إقناع بن لادن بعدم الذهاب إلى الصعيد، خوفا من قدرات المخابرات العامة وكفاءتها الشديدة.. خاصة عندما تتعامل مع أعداء على أرضها.
8
زوجة شقيق أيمن الظواهرى تسلم نفسها للمخابرات المصرية فى اليمن وتبلغ عن مكانه
بين عامى 1998 و1999، كان هناك تعاون جديد بين المخابرات المصرية والأمريكية فى مجال مكافحة الإرهاب.. قامت زوجة محمد الظواهرى، شقيق أيمن الظواهرى بتسليم نفسها لضباط المخابرات المصرية فى اليمن، وكشفت عن مكان زوجها.. وفى إبريل من عام 1999، تم القاء القبض على محمد الظواهرى، أحد قادة تنظيم الجهاد السابقين، فى الإمارات العربية المتحدة، وتم ترحيله إلى القاهرة بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية.
كشفت زوجة محمد الظواهرى أيضا عن مكان شقيق آخر لأيمن .. وعلى الرغم من أن توقيت هذه العملية غير واضح، إلا أن المخابرات الماليزية ألقت القبض على حسين الظواهرى، ونقله إلى قبضة فريق مشترك من رجال المخابرات المصرية والمخابرات الأمريكية.. وبعد ستة أشهر من التحقيق معه تم إطلاق سراح حسين الظواهرى ليصبح رهن الاعتقال فى منزله.. أما محمد الظواهرى، فظن الكل أنه مات، حتى كشفت صحيفة فى لندن عن أنه ما زال على قيد الحياة، ومعتقل فى سجن طرة عام 2003.
لقد لعبت المخابرات المصرية العامة دورا شديد الأهمية فى اختراق الجماعات الإرهابية، فى الوقت الذى كانت فيه المخابرات المركزية الأمريكية تفتقر فيه إلى «ضباط الحالة».. أو ضباط الميدان الذين يملكون الخبرة الكافية أو الخلفية المناسبة للتعامل مع ثقافات ولغات الشرق الأوسط.. وكانت غالبا ما تلجأ إلى ضباط المخابرات المصرية لسد تلك الثغرة فيها.
كانت المخابرات المصرية، على العكس من الأمريكية، تمتلك خبرة واسعة فى التعامل مع جماعة الجهاد التى كانت تمثل أهم عنصر، وربما العنصر المؤثر الوحيد، فى تنظيم القاعدة.. وكانت النتيجة أن المخابرات المركزية الأمريكية قدمت ، من دون شك، التمويل اللازم ، والتكنولوجيا المطلوبة لمساعدة المخابرات المصرية على اختراق تنظيم القاعدة.
9
إحباط محاولة ليبية لقلب نظام حكم جعفر النميرى فى السودان
التحدى المبكر الذى واجه جهاز المخابرات المصرى فى بداية عهد مبارك، هو تحد قريب على الحدود.. من الناحية الغربية، قادما من ليبيا .. ممثلا فى شخص العقيد معمر القذافى.
لم يدار العقيد القذافى ترحيبه باغتيال السادات، ولم تتحسن علاقته كثيرا بالرئيس مبارك فى بداية عهده، بأكثر مما كانت علاقته بالسادات.. لكن الرئيس مبارك، على العكس من الرئيس السادات، كان أكثر صبرا فى التعامل مع الرئيس الليبى.. وعلى الرغم من ذلك، وصلت استفزازات العقيد القذافى إلى حد لا يطاق أكثر من مرة خلال فترة الثمانينيات.. عندما وصل البلدين إلى نقطة قريبة من الانفجار، بعد أن كانت المخابرات الليبية فى مركز هجوم متعدد الأوجه ضد مصر.
دعمت ليبيا عدة جماعات إرهابية فلسطينية مناوئة للقاهرة مثل جماعة أبونضال.. ولجأ إليها عدد من الهاربين الكبار من مصر، ونسجت طرابلس المؤامرات ضد القاهرة وحلفائها فى السودان وتشاد فى ذلك الوقت.
فى عام 1983 حاولت مخابرات القذافى قلب نظام حكم الرئيس السودانى جعفر النميرى المؤيد لمصر.. وهنا، توجد روايتان عن الدور الذى لعبته المخابرات المصرية لإحباط هذه المؤامرة.. تقول الرواية الأولى إن المخابرات المصرية ونظيرتها السودانية، نجحتا فى إفساد خطة ليبية لاغتيال جعفر النميرى ووضع نظام حكم موال لليبيا فى الخرطوم بدلا منه.. وبمجرد أن علم مبارك بهذه الخطة، طلب من أمريكا طائرة تجسس ورادارخاصة لمراقبة حدود مصر الجنوبية.. وبمجرد أن كشفت أمريكا عن مهمة طائرتها على حدود مصر الجنوبية فى منتصف فبراير من نفس العام، قرر القذافى على الفور التراجع عن مخططاته فى السودان.
تقول الرواية الثانية عن دور المخابرات المصرية فى إحباط الخطة الليبية، إن المخابرات السودانية شكلت جماعة متمردة زائفة، طلبت من ليبيا مساعدتها على الإطاحة بجعفر النميرى.. ثم دعا السودانيون المخابرات المصرية والأمريكية، لرسم خطة لاجتذاب القوات الجوية الليبية إلى شمال السودان، وهناك، تتعامل معها القوات المصرية المزودة بنظم رادار وطائرات تجسس أمريكية.. ويقال حتى أن الأقمار الصناعية الأمريكية التقطت مؤشرات على نشر طائرات القوات الجوية الليبية على نطاق واسع فى منطقة الكوفة، قبل أن يأمر القذافى بإلغاء العملية لأسباب مجهولة.
10
أمين سلطان: بطل المخابرات المصرى المجهول فى حرب تحرير الكويت
بمجرد أن اجتاح صدام حسين الكويت عام 1990، وجدت مصر والدول الحليفة لها نفسها فى مواجهة معضلة أمنية غير متوقعة.. كان من الممكن أن تعيد ترتيب موازين القوى من جديد فى الشرق الأوسط.. كان الخوف الحقيقى أن يقوم صدام حسين أيضا باحتلال السعودية، مسيطرا بذلك على نسبة كبيرة من احتياطى الطاقة فى العالم.
واجهت المخابرات المصرية تحديات جديدة مع أزمة الكويت.. كان عليها أن تواصل جمع المعلومات عن القيادة والجيش والمعارضة العراقية.. فى الوقت الذى تواصل فيه مراقبة الفلسطينيين المتطرفين الموالين للعراق.. ومما لا شك فيه أن قنوات الاتصال بين المخابرات المصرية والأمريكية كانت مفتوحة فى ذلك الوقت لتبادل المعلومات والآراء حول الوضع فى العراق.. فى الوقت نفسه، ركزت المخابرات الحربية على ضرورة حماية الضباط المصريين الموجودين فى السعودية.. من خلال إعداد تقارير عن قدرات القوات العسكرية العراقية.. وكتائبهم الاستطلاعية فى الكويت.. وتوقع ضباط المخابرات المصرية فى نقاشاتهم مع المراسلين الأجانب، انتصارا سريعا لقوات التحالف ضد العراق.
ساهمت المخابرات المصرية فى حماية مصالح مصر فى حرب تحرير الكويت بطرق أخرى.. عملت المخابرات العامة المصرية عن قرب مع إدارة المخابرات السعودية، لترتيب عملية حرب نفسية شاملة ضد العراق، وكان البطل المصرى فى هذه العملية، هو ضابط مخابرات مصرى، اسمه أمين سلطان.. وهو الضابط الذى وصف فيما بعد بأنه واحد من «أكثر الضباط خبرة» فى مجال عمليات المخابرات.. عمل أمين سلطان مع السعوديين والأمريكان، لتطوير محطات إذاعية سرية ، ومنشورات ضد العراق.. يدعو فيها الضباط العراقيين إلى الاستسلام.. وكانت خطة الحرب النفسية أيضا تستهدف دعم قناعات صدام بأن قوات التحالف ستسعى لتحرير الكويت، دون غزو العراق.
كانت المخابرات المصرية تواجه تحديا آخر.. داخليا.. ممثلا فى ضباط وعملاء المخابرات العراقية الذين كانوا يعملون منفردين، أو بالمشاركة مع بعض الإرهابيين الفلسطينيين.. فى تلك الفترة، أعلن جهاز أمن الدولة عن كشف مؤامرة عراقية لتخريب البنية الأساسية لصناعة السياحة فى مصر، إضافة لاغتيال بعض أبرز المسئولين المصريين.. وكانت هناك مخاوف أيضا من أن يقوم ضباط المخابرات العراقية بمحاولة منع تأخير نشر قوات التحالف فى السعودية، من خلال إغراق سفن محملة بالأسمنت فى قناة السويس.. وسد مجراها.